الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمرد الحسن يحرم النظر إليه بشهوة، أو مع خوف ثوران الشهوة، بل نص الفقهاء على حرمة النظر إلى الأمرد مع الشك في وجود الشهوة، وحيث حرم النظر إلى الأمرد حرمت المصافحة والمعانقة من باب أولى؛ إذ هي أشد من النظر.
جاء في مطالب أولي النهى: (ومعنى الشهوة التلذذ بالنظر) إلى الشيء (قاله في " الإنصاف ") ويجوز النظر إلى الغلام بغير شهوة، لأنه ذكر أشبه الملتحي، ما لم يخف ثوران الشهوة، فيحرم النظر إليه إذا كان مميزا؛ لما فيه من الفتنة (وقال ابن عقيل) في كتاب " القضاء " (تكرار النظر للأمرد محرم) لأنه لا يمكن بغير شهوة (وكره أحمد مجالسة الغلام الحسن الوجه) خشية الافتتان به، وقال يحيى بن معين: ما طمع أمرد بصحبتي ولا لأحمد بن حنبل في طريق، وعن الحسن بن ذكوان: لا تجالسوا أولاد الأغنياء، فإن لهم صورا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى. قال ابن عقيل: النظر إلى المردان جائز على طريق الجملة إذا لم تعرض شهوة، ولم يوقظ نظرهم من النفس التذاذا أو ميلا؛ لكون الشرع لم يأمر؛ بتغطيتهم، وجوز دخولهم وخروجهم، والاجتماع بالرجال في الحمامات، فعلم أنه لم يجعل الشرع مبنيا على شهوات الفساق، فصارت الشهوة لهم كمن يشتهي البهائم والرجال. انتهى، أفاده الشيخ تقي الدين في شرحه على المحرر. (ولمس كنظر) فيحرم حيث يحرم النظر، (بل) اللمس (أولى) لأنه أبلغ من النظر .اهـ باختصار.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إن كان الأمرد غير صبيح ولا يفتن، فقد نص الحنفية والشافعية على أنه يأخذ حكم غيره من الرجال.
أما إن كان صبيحا حسنا يفتن، وضابطه أن يكون جميلا بحسب طبع الناظر ولو كان أسود، لأن الحسن يختلف باختلاف الطباع، فله في هذه الصورة حالتان:
الأولى: أن يكون النظر والخلوة وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالأمر بلا قصد الالتذاذ، والناظر مع ذلك آمن الفتنة، كنظر الرجل إلى ولده أو أخيه الأمرد الصبيح، فهو في غالب الأحوال لا يكون بتلذذ، فهذا مباح ولا إثم فيه عند جمهور الفقهاء.
الثانية: أن يكون ذلك بلذة وشهوة، فالنظر إليه حرام. وقد ذكر الحنفية والشافعية أن الأمرد يلحق بالمرأة في النظر إن كان بشهوة، ولو مع الشك في وجودها، وحرمة النظر إليه بشهوة أعظم إثما، قالوا: لأن خشية الفتنة به عند بعض الناس أعظم منها. اهـ.
وحزن المردان وتأثرهم من غص البصر عنهم؛ لا يسوغ النظر إليهم -حيث كان حراما-.
وأما قولك: (هل يلزم أن أوضح لهم السبب؟ وكيف أوضحه؟): فلا يلزمك شرعا بإخبار المردان بسبب غض بصرك عنهم، ولا موجب يقتضي إلزامك بذلك.
وقولك: (حكم التبسم في وجوههم، وحكم المصافحة خاصة إذا مد يده، وحكم المعانقة إذا كان هذا عرفا في مجتمعنا).
فأما المصافحة والمعانقة فقد تقدم أنها تحرم حيث يحرم النظر، وحيث حرمت فلا يسوغها كونها عرفًا في المجتمع، فإن جريان العرف بأمر محرم لا يجعله مباحا شرعا.
وأما التبسم للأمرد فلم نقف على كلام للفقهاء فيه، لكن قد يقال بمنعه حيث حرم النظر إلى الأمر، لأنه ذريعة إلى النظر المحرم، والفتنة بالأمرد. وقد ذهب بعض العلماء إلى حرمة تبسم الرجل للمرأة الأجنبية، كما في الفتوى: 352477.
وأما قولك: (مع العلم أني أتحكم في شهوتي بمعنى لا تثور الشهوة، لكن في نفس الوقت إن أردت أن أفكر فيهم تفكير شهوة أفكر، وبمعنى أوضح أنه لولا أن هذا الأمر محرم لسعيت لقضاء الشهوة بهم، فأنا أفرق ففيهم من يُشتهى إن أردت ذلك، وفيهم من لا يُشتهى شكلا. فما العمل؟ وكيف التصرف؟).
فهذا الذي ذكرته، وتفريقك بين الأمرد الحسن وغيره؛ لا يستلزم النظر بشهوة، ولا الخوف من ثوران الشهوة، وقد يكون لديك نوع من المبالغة في الأمر.
وعلى كل حال: أنت أدرى بنفسك، فمتى أمنت على نفسك من التلذذ بصحبة المرادن والتعلق بهم، وكانت هناك مصلحة في مجالستهم فجالسهم، وإلا فابتعد عنهم.
وراجع لمزيد الفائدة حول التعامل مع المردان الفتوى: 409819. وإحالاتها.
والله أعلم.