السؤال
جزاكم الله خيرا عما تقدمونه للمسلمين من جهود جبارة.
سؤالي هو عن حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق.
لديَّ إشكالية في فهم حقيقة مقصد الحديث الشريف، في الوقت التي توجد فيه أحاديث وأوامر أخرى تحث على الصبر، والثبات، والتضحية، والجود بالنفس، والمال، وتحمل التكاليف والمشاق من أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي القرآن الكريم، وفعل الصحابة، والصالحين، وقد مدحهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يصفوهم بإذلال النفس.
فماشطة امرأة فرعون تحملت من العذاب ما يفوق الخيال، وكذلك آسية امرأة فرعون، وسحرته، وأصحاب الأخدود، وصفوة الصفوة من جنود طالوت عليه السلام الذين لم تطاوعهم أنفسهم في شرب أكثر من غرفة ماء من النهر؛ رغم الحر والمشقة الشديدة التي تنوء بها الكواهل، وصمدوا معه حتى النهاية، وصحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذين ناؤوا بتعذيب قريش الشديد الذي لا يحتمل لدرجة ذهابهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وطلبهم الدعاء والاستنصار لهم، فبدلا من أن يخفف النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم، أو يواسيهم، أو يدعو لهم، ويتكلم معهم كلاما لينا، غضب، وقال لهم فيما معناه إنه كان يؤتى بالرجل قبلكم، ويفرق نصفين ما يرده ذلك عن دينه؛ حاثًّا إياهم على المضي قدما، وتحمل العذاب الذي تنوء به الجبال، وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما معناه: حفت النار بالمكاره والجنة بالشهوات، وقوله فيما معناه: من يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالطهم، ولا يصبر على أذاهم، وقوله فيما معناه: لا يمنع أحدكم خشية الناس من قول كلمة الحق؛ لأنه لن يصيبه من الأذى والقتل إلا ما كتب الله له، وقوله فيما معناه: خير الجهاد من قام إلى رجل ظالم، فأمره، فنهاه، فقتله، وأمره بالجهاد رغم مشقته الشديدة، وقوله فيما معناه: إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم. وهذا غيض من فيض، وأنتم كعلماء شريعة أعلم مني بهذه الأمثلة التي لا تعد ولا تحصى من التضحيات، والصبر على المشاق الشديدة التي تنوء بها الجبال، وحث الشرع عليها، والترغيب في مثوبتها، والتي لو قام بها الإنسان لبقي طوال عمره ملاحقا مهددا، لا يهدأ باله، هذا إذا لم يضع مستقبله، أو يسجن، أو يعذب، أو يقتل، أو يصاب بعاهة.
لذلك كيف نوفق بين هذا وذاك؟ جزاكم الله خيرا.