السؤال
اقترفت ذنبًا، وندمت عليه ندمًا شديدًا، فقد تعرفت عن طريق الإنترنت إلى أول فتاة في حياتي وأنا في سن الثلاثين، وعطفت عليها بعد أن حكت لي عن حالتها، وأنها تربّت يتيمة الوالدين منذ كان عمرها سنة واحدة.
وسرعان ما تحوّل هذا العطف إلى مشاعر تعلّق، وتحدثنا لمدة شهرين، وبعد أن وجدتها حافظة للقرآن مقيمة لصلواتها، أعجبتني، وأخبرتها أني أنوي خطبتها من عمّها.
واتفقنا على أن أذهب لبيتهم بعد ثلاثة أشهر، وطلبت منها أن نتوقف عن التحدث في النت؛ لأن علاقتنا محرمة، لكنها كانت في كل مرة تصرّ على أن نتحدث، فواصلنا علاقتنا المحرمة، دون كلام بذيء، وكنا نتحدث عمومًا عن حالتنا، أو عن الدراسة.
بعد مدة أخبرتني أن والدها سيرفضني؛ لأني أسكن بعيدًا عنها، وأنها تتكلم معي وهي مخاطرة بحياتها، ولو تفطّن إخوتها أنها تتحدث معي لقتلوها.
بعد فترة دخلت بعد صلاة العشاء لنتحدّث كعادتنا -كتابيًّا فقط- وإذا بأسلوبها مغاير، فأحسست أن أخاها يتحدث معي، وكانت تقول لي: إن علاقتنا محرمة، وغير ذلك؛ رغم أني من كنت أدعوها للتوقف عن هذه العلاقة؛ حتى آتي لأخطبها من بيتها.
بعد يومين عملت لي حظرًا، وبدأت في البحث عن أحد إخوتها؛ لكي أخطبها، وأبيّن له أن نيتي حسنة، لكني تفاجأت أن اسمها غير موجود في البلد كله أصلًا، فاسمها كان غريبًا بعض الشيء.
بعد شهرين من البحث عنها، قررت أن أنساها، وأتوب، وأستغفر، لكني بعد سنة عاودني الشوق لها، وتأنيب الضمير؛ خوفًا من أن أكون قد تسببت لها في أذية مع عائلتها منعتها من الاتصال بي مرة أخرى.
وضميري يعذبني، وخفت أن أتزوج، وبعد مدة تتصل بي، وتقول لي: حطّمت حياتي وتركتني، وأحيانًا أقول: بما أنها كذبت عليّ في اسمها، فقد كذبت في كل شيء، فماذا أفعل؟
وأحيانًا أخاف أن تكون شريرة، وقد سحرتني؛ لأني أرسلت لها صوري، وضميري يعذبني، وبدأت أدخل في دوامة من الوساوس، فأفيدوني -أفادكم الله-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المحادثة بين الرجل والمرأة الأجنبية باب للشر والفساد، ويمكن للشيطان أن يستدرجهما من خلالها استدراجًا؛ حتى يوقعهما في الفواحش، وقد حذّر الله تعالى من شره، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ... {النور:21}.
وقد شدد الفقهاء في أمر المحادثة بينهما، والمنع منها، إلا لحاجة، وفي حدود الضوابط الشرعية، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 30792، والفتوى: 21582.
فما كان لك الاستمرار في التواصل معها، أو مجاراتها في طلبها في هذه المحادثة، ولو بمجرد تفقّد الحال، ومذاكرة الدروس؛ فالواجب عليك المبادرة إلى التوبة النصوح، وقد أوضحنا شروطها في الفتوى: 5450.
ولا تلتفت إلى ما تشعر به من تأنيب ضميرك، وخوفك من أن تكون قد تسببت في أذيتها من أهلها؛ فهي الجانية على نفسها حين استمرت معك في هذه المحادثة باختيار منها، ولم تجبرها عليها.
وهذه الهواجس والخواطر قد تكون من الشيطان؛ لينكّد بها حياتك، ويدخل عليك بسببها الأحزان؛ فهو عدو الإنسان، ويستغل كل سانحة يستطيع أن يكيد له بها، قال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {المجادلة:10}.
وقد يجرّك بها إلى العودة إلى تلك المحادثات المحرمة التي كانت بينك وبينها؛ فأقبل على الله سبحانه، واستعذ به من شره؛ فهو القائل: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {فصلت:36}.
واجتهد في سلوك طريق الاستقامة، والحذر من سبل الغواية والضلال.
ويمكنك الاستفادة من بعض التوجيهات التي ضمناها هذه الفتاوى: 1208، 10800، 12928.
وإن كنت لم تتزوج بعد، فبادر إلى الزواج -ما أمكنك-، واستعن ببعض الثقات من أقربائك وأصدقائك في البحث عن المرأة المؤمنة الصالحة، التي تعينك في أمر دِينك ودنياك.
ولمزيد الفائدة، انظر الفتوى: 102725، والفتوى: 8757.
والله أعلم.