السؤال
والداي انفصلا مباشرة بعد ولادتي، وأنا أعيش الآن مع أمي وإخوتي الأكبر مني، وأبي تزوج من أخرى، وأنجب منها عدة أطفال.
علما أنه تركنا، واهتم بأولاده الجدد، ولا يزورنا إلا مرة في العام أو العامين، ولا يسأل عنا. وإخوتي وأمي دائما تخبرنا أنه شخص سيء، ولا يريد لنا خيرا، وأنه ساحر، وزوجته ساحرة.
وأخي الأكبر كان يزور أبي أحيانا دون علم أمي، وعند اكتشافها للأمر لم تعد تثق به، ولا تأمنه على أسرارها، وفي المقابل أخي أصبح يوميا في نقاشات مع أمي، وخلافات لدرجة أنها تبرأت منه. وحذرتنا أنه من يقترب من أبي وزوجته؛ فإنه ليس ابنها، ولا صلة له بها، وأنها بريئة منه.
سؤالي هو: أبي دائما يريدني أن أزوره، و كل مرة أتحجج بحجة؛ لكي لا أذهب، وأُغضب أمي. فهل أنا عاقٌّ له؟ علما أنني إذا ذهبت إليه سِرًّا، فإن أمي لا محالة ستعلم من جيرانه.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان حال أبيكم على ما ذكرت من تفريطه في حقكم؛ فلا شك في أنه مسيء بذلك إساءة بالغة، ولكن هذا لا يسقط عنكم وجوب البر به، والإحسان إليه، كما هو موضح في الفتوى: 435385.
وليس من حق أمكم منعكم من صلة أبيكم. ويمكنكم صلته من غير علمها لتتقوا غضبها.
نقل القرافي في كتابه الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-: إن والدي في بلد السودان، وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية، في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه؛ ليتمكن من طاعة أبيه، وعدم عصيان أمه. اهـ.
أي: التوفيق بينهما في ذلك، بحيث يرضيهما معًا. ولو قدر أن اطلعت على فعلكم، وغضبت؛ فلا إثم عليكم في ذلك، ولكن اجتهدوا في سبيل كسب رضاها، بالتودد إليها، والإحسان، وإهداء الهدايا، ونحو ذلك.
ولا يجوز لأمكم أن توغر صدوركم على أبيكم، وكلامها عنه بالسوء في غيبته نوع من الغيبة، واتهامها له ولزوجته بالسحر سوء ظن، وهو محرم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}.
والله أعلم.