السؤال
هل يجوز شراء الربويات على الوصف بلا رؤيةٍ، إن كان التقابض في مجلس العقد؟ وصورة ذلك: شخص ذهب إلى محل ذهبٍ، وقال: أريد قدرا من الذهب والفضة، شكله كذا، ووزنه كذا، فأعطاه البائع سعراً، ثم أعطاه المشتري المال، ورد البائع ما فضل، ثم ذهب البائع إلى غرفةٍ محروسٍة وأخرج الذهب والفضة، وأعطاهما للمشتري، ثم وقع المشتري على الفاتورة، وخرج من المحل؟..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشرط الصحة في بيع الربويات هو التقابض في مجلس العقد، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: يدخل من باب بيع ما ليس عندك بالمعنى: ما يكون في ملكك غائباً من الذهب والفضة، لا يجوز بيع غائبٍ منها بناجزٍ، وكذلك البر، والتمر، والشعير، لا يباع شيءٌ منها بجنسه، ولا بطعامٍ مخالفٍ لجنسه، إلا يدًا بيدٍ، وكذلك ما كان في معناها من سائر أنواع الطعام، لا يباع منها طعامٌ بطعامٍ إلا يدًا بيدٍ، لقوله عليه السلام: إلا هاء، وهاء ـ يعني خذ، وأعط؛ حياطةً من الله تعالى لأصول الأموال، وحرزًا لها. اهـ.
والتقابض لا يمكن حصوله مع غياب المبيع عن مجلس العقد! وعلى ذلك، فالصورة التي ذكرها السائل لبيع الذهب والفضة، إنما تصح إذا كانت هذه الغرفة المحروسة داخل المحل، أو قريبةً منه، بحيث لا يعد دخولها تفرقاً عن مجلس العقد.
قال الباجي في المنتقى: إن استأذن الصراف بعد العقد في أن يذهب بها إلى صرافٍ قريبٍ منه يريه إياها، ويزنها عنده، أو عقد معه الصرف على ذلك، ففي العتبية من رواية أشهب، عن مالكٍ: أن ذلك جائزٌ فيما قرب، ومعنى ذلك أن يكونا لقربهما في حكم المتجالسين، وأما إن تباعد ذلك حتى يرى أنه افتراقٌ من المتصارفين، فلا يجوز ذلك، وهو يفسد العقد. اهـ.
وهذا إذا كان عقد البيع بالإيجاب والقبول يتم قبل ذهاب البائع إلى هذه الغرفة، وأما إذا كان ذلك على سبيل المساومة وتقرير الثمن، وإعداد المثمن دون عقد، ثم يتم العقد بالإيجاب، والقبول بعد رجوع البائع بالذهب، أو الفضة، وعند توقيع المشتري على الفاتورة، فلا إشكال في صحة ذلك، وراجع للفائدة الفتوى: 370009.
وأما غير الربويات: فيصح بيع الغائب منها، بمجرد الوصف دون رؤيةٍ، طالما كان المبيع غائباً عن مجلس العقد، وراجع في ذلك الفتويين: 112284، 103465.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني: اعلم أن بيع الغائب على ثلاثة أقسامِ: أحدهما: أن يباع بالصفة على اللزوم، وجوازه مشروطٌ بغيبته، ويكفي غيبته، ولو عن مجلس العقد، ولا يشترط أن يكون في رؤيته مشقةٌ، ولا غيبته عن البلد، على المأخوذ من المدونة، ورجحه ابن عبد السلام، وابن عرفة... ومثل غيبته عن مجلس العقد حضوره به، حيث كان في رؤيته مشقةٌ أو فسادٌ، وأما الحاضر بمجلس العقد، ولا مشقة، ولا فساد في رؤيته، فلا بد في صحة العقد عليه من رؤيته حيث كان البيع على اللزوم.. اهـ.
والله أعلم.