السؤال
زوجتي تمنعني من حقوقي الزوجية ومنها الجماع، عمري بلغ 44 سنة، وأشعر برغبة كبيرة في ممارسة الجنس معها.
حاولت معها بشتي السبل، ومنها النصح والإرشاد، مقتبسا ذلك من القرآن والسنة النبوية الشريفة. وهي تعتذر بأنها لا تريد ذلك، ولا حتى مجرد التفكير به.
تعبت؛ لذا بحثت عن من يعطيني هذا الحق؛ فوقعت فريسة في وحل الفاحشة، وأصبحت مدمنا عليها. أرغب في الخلاص من هذه الهاوية، والرجوع إلى الله -سبحانه- بالتوبة النصوح.
أفكر كل لحظة بالجنس، وبمن كنت أمارس معها هذه الفاحشة، لقد سلمت جسدها لي؛ فأصبحت مثل الذئب الذي يتقصى أثر فريسته، ولا زلت على هذا الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس من حق زوجتك أن تمتنع عنك إن دعوتها للفراش لغير عذر شرعي؛ فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته؛ فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح.
قال البهوتي -الحنبلي- في كشاف القناع: وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت، على أي صفة كانت إذا كان الاستمتاع في القبل... ما لم يشغلها عن الفرائض، أو يضرها. انتهى.
وقد أحسنت بنصحك لها، وعليك الاستمرار في ذلك، فإن أصرت على الامتناع فهي ناشز، وسبق في الفتوى: 1103 بيان كيفية علاج النشوز.
وقد أسأت حين سلكت هذا المنحى الخطير، وهذا الأمر الذي استعظمته -وَحُقَّ لك أن تستعظمه- وهو الوقوع في الفاحشة أي الزنا، والشرع قد منع من مجرد الوقوع في وسائله فضلا عن ارتكابه، وعلَّل سبب هذا النهي من المفاسد والمخاطر، قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء: 32}.
قال السعدي في تفسيره: والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله؛ لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه، فإن: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه" خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.
ووصف الله الزنى وقبحه بأنه { كَانَ فَاحِشَةً } أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر؛ لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله، وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: { وَسَاءَ سَبِيلا } أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم. انتهى.
فأنت على خطر عظيم إن لم تبادر للتوبة، فما يدريك أن يفجأك الموت -وأنت على هذه الحال-، فتلقى ربك زانيا.
روى البخاري من حديث سمرة بن جندب الطويل في الرؤيا التي رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا..... فقالا لي- أي الملكان -: والذي رأيته في الثقب فهم الزناة.... الحديث.
فإن كنت صادقا في الرغبة في التوبة، فأخلص النية، وتوجه لربك، واسأله التوفيق، وبادر للتوبة، وقطع العلاقة مع هذه المرأة فورا لإغلاق الباب على الشيطان تماما، وقطع مادة الشر من أساسها.
وإن لم ترجع زوجتك لرشدها؛ فابحث في أمر الزواج من أخرى، وحتى ييسر الله لك ذلك استعن بما يضاد الشهوة من الصوم، وصحبة الصالحين، وملء الفراغ بما ينفع، ونحو ذلك، واجتنب مثيرات الشهوة من النظر المحرم، والتساهل في التعامل مع النساء، والخلوة بهن، ونحو ذلك.
والله أعلم.