الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما دام السائل يعلم قدر وزن الظرف الأكبر، فالمخرج من ذلك أن يخبر المشتري به، ويعرفه بأنه ينقص من الوزن (10) جرامات لا (15)، فإن رضي بذلك المشتري؛ صح البيع وانتفى الحرج، لأن وزن المبيع يكون بذلك معلوما.
وأصل المسألة أن أهل العلم قد اختلفوا في صحة بيع الجامدات التي يمكن أن توزن بغير ظرف (كيس) إذا بيعت بوزنها مع ظرفها على أن يتم إنزال وزن الظرف.
قال الماوردي في الحاوي: أن يتبايعا السمن موازنة في ظرفه ويشترطا إنزال الظرف بعد وزنه، فهذا بيع جائز؛ لأن الذائب لا يستغني عن ظرف، وليس يمكن بيعه موازنة إلا هكذا.
فأما إذا ابتاع منه جامدا في ظرفه موازنة بشرط إنزال الظروف كالدقيق والطعام ونحوهما؛ ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يجوز؛ لاستغناء الجامد عن ظرف يوزن معه، وهذا مقتضى تعليل أبي إسحاق المروزي.
والثاني: يجوز؛ لأنه قد يصير بعد إنزال ظرفه معلوم القدر كالسمن، وهذا مقتضى تعليل أبي علي بن أبي هريرة. اهـ.
وصحح النووي القول بالجواز ونسبه للجمهور، فقال في «المجموع»: إذا اشترى جامدا في ظرفه كالدقيق والحنطة والتمر والزبيب وغير ذلك، موازنة كل رطل بدرهم بشرط أن يوزن مع ظرفه، ثم يسقط قدر وزن الظرف، فوجهان حكاهما الماوردي والروياني:
(أحدهما): لا يصح البيع؛ لأن الجامد لا يحتاج إلى وزنه مع ظرفه؛ لإمكان وزنه بدونه. قالا: وإلى هذا ميل أبي اسحق المروزي.
(والثاني): يصح. وهذا مقتضى كلام جمهور الأصحاب وهو الصواب؛ إذ لا مفسدة فيه، ولا غرر ولا جهالة. اهـ.
وسأل حرب الكرماني الإمام أحمد: الرجل يبيع الشيء في الظرف مثل قطن في جواليق فيزنه ويلقي للظرف كذا وكذا؟ قال: أرجو أن لا بأس، ولا بد للناس من ذلك. اهـ. نقله ابن مفلح في الفروع.
وإسقاط قدر وزن الظرف إنما يكون عند العلم به، ولذلك ينص بعض أهل العلم على اشتراط علم المتعاقدين بوزن الظرف (الكيس).
قال ابن مفلح: يصح بيع دهن في ظرف معه موازنة كل رطل بكذا، مع علمهما بمبلغ كل منهما، وإلا فوجهان، وصححه صاحب المحرر إن علما زنة الظرف. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في «تحفة المحتاج»: يصح بيع نحو سمن رآه في ظرفه معه موازنة إن علما زنة كلٍّ، وكان للظرف قيمة. اهـ.
قال الشرواني في حاشيته: (قوله: إن علما زنة كل) مفهومه بطلان البيع مع الجهل. اهـ.
وعلة ذلك أن الجهل بوزن الظرف يجعل المبيع مجهول القدر أو الوزن.
والله أعلم.