السؤال
أعاني من مشكلة في الإخلاص وهي أن نفسي تُحب أن يمدحها ويحبها الناس، وقد اعتادت على ذلك. وأحياناً تسعى إلى أن تُجَمِّل صورتها أمام الناس كي يحبوها. لكني أعلم أن هذا يُبغضه الله، وأدعو الله بالإخلاص. فهل حالتي تلك نفاق؟
وأمر آخر وهو أن صوتي جميل في تلاوة القرآن ومستواي حسن في التجويد، وأريد أن أنشر ختمة للقرآن بصوتي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يمنعني من ذلك خوف ألا تكون نيتي خالصة لله؛ لأني بالفعل كما ذكرت تُحب نفسي مدح الناس. فبماذا تنصحونني؟
الشق الثاني: نحن في كلية الطب نتعب كثيرا نفسياً وجسدياً، ويذهب جزء كبير من حياتنا من أجل الطب.
فهل يستحق الطب كل هذا العناء؟ وهل في إمكانه أن يدخلني الجنة؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز أن يكون الحامل لك على فعل الأعمال الصالحة، وامتثال الأخلاق الفاضلة هو طلب رضا الناس عنك، ومحبتهم لك؛ لأنَّ هذا من الشرك المحبط للعمل. والله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه سبحانه وتعالى.
وإذا فعلت المطلوب منك شرعًا ابتغاء مرضاة الله تعالى، ثم بلغك ثناء الناس عليك؛ فلا حرج عليك إن فرحت بذلك -إن شاء الله تعالى- وتلك عاجل بشرى المؤمن.
وفرحك برضا الناس عنك وثنائهم عليك فيما تمتاز به من غير العبادات المحضة جائز، لكنك لا تؤجر على فعل الخير إلا إذا فعلته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى.
فالواجب عليك أن تحرص على أن يكون عملك خالصًا لوجه الله تعالى؛ فهو وحده النافع الضار. وإذا رضي عنك سبحانه وتعالى؛ فسيعطف قلوب الناس عليك فيحبوك.
وما ينفع ثناء الناس والرب ساخط؟!
وانظر الفتوى: 162227.
هذا، ولا ينبغي أن يحملك خوف الرياء على ترك الأعمال الصالحة كتسجيل ختمة قرآن بصوت حسن يسمعه الناس؛ فينفعهم الله به؛ فإنَّ ذلك من كيد الشيطان، فبادر بتسجيل ختمة القرآن، وبثها عبر الإنترنت وسائر وسائل التواصل، متوكلاً على الله تعالى.
وانظر الفتوى: 224908.
والمطلوب منك أن تجاهد نفسك على يكون عملك خالصًا لوجه الله تعالى.
وإذا خفت على نفسك الرياء، أو أردت أن تتقي أبواب الشرك كبيرها وصغيرها؛ فخذ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها الإمام أحمد في مسنده عن أبي موسى الأشعري قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ؛ اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ؛ فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ. فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولُوا: اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ أنه قال: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ قَالَ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ.
فينبغي إذن الإكثار من هذا الدعاء العظيم، طالما أنَّ الإتيان به سبب للسلامة من الوقوع في الرياء. ولا شك أن الخوف من الرياء يجب أن يكون ملازمًا للعبد في كل حال.
وبخصوص دراسة الطب، وكونها سببًا لرضوان الله تعالى والجنة؛ انظر الفتوى: 125971.
والله أعلم.