الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تكييف الحياة الزوجية وفق الأسس الشرعية بين الفهم الصحيح والفهم الخاطئ

السؤال

أنا متزوجة منذ سنة، وكانت علاقتي بزوجي يسودها الحب والتفاهم والمزاح، وكنا نتعامل كالأصدقاء ونتشاور في كل شيء. أنا وهو نؤمن بأن أحكام الشريعة بين الزوجين وُضعت للاحتكام إليها عند الخلاف، وليس لتكون أساسًا يُبنى عليه الزواج.
فعلى سبيل المثال: زوجي لم يكن يدقق أو يبالي أين أذهب، ولم يكن يُصر على أن أستأذنه، لأنني أهل لثقته. أما أنا، فعندما كنت أشتري شيئًا من ضروريات المنزل أو كمالياته، أدفع من مالي الشخصي دون أن أقول له: "هذا واجبك، اشتريه أنت".
لكن ذات يوم، سمع زوجي مقطع فيديو لأحد الشيوخ يقول فيه: إنه يجب أن يكون التعامل بين الزوجين مبنيًا على قوانين الشريعة الإسلامية. وأوضح أن على الزوج ألّا يعطي الحرية المطلقة لزوجته، بل يجب أن يأمرها أن تستأذنه، وألا يشاورها دائمًا حتى تعلم أنه صاحب القوامة، وأن عليه أن يذكرها دائمًا بأنه صاحب الفضل عليها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فالزوجة لا يمكن أن تكون بمستوى زوجها، لأنه أعلى منها.
كما أشار الشيخ إلى أنه لا يجوز للزوجة أن تنفق في البيت، لأن هذا من واجب الزوج، ومن لم يطبق أحكام الشرع فهو آثم، وغير مبالٍ بما أمر الله به.
منذ ذلك الوقت تغيّرت علاقتنا؛ أصبح زوجي يعاملني وفق الحقوق والواجبات فقط، زوج وزوجة، صاحب فضل ومتفضَّل عليه، بسبب خوفه من أن يكون آثمًا، رغم أنه هو نفسه غير سعيد بهذا التغيير. هذا التحول أثّر سلبًا على علاقتنا التي كانت جميلة.
فهل هذا حقًا هو المطلوب؟ أليس الأهم أن يكون الزوجان متفقين وسعيدين بأي طريقة كانت؟ هل يجب فعلاً تطبيق قوانين الشريعة في العلاقة الزوجية حتى لو لم تحقق السعادة للطرفين؟ فأنا أرى أن التعامل بالحقوق والواجبات يناسب الأعداء أكثر من العلاقة التي ينبغي أن تجمع بين زوجين، كل منهما سكنٌ للآخر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من أهم مقاصد الشرع من الزواج، أن يكون هنالك استقرار في الحياة الزوجية، وأن تسود بين الزوجين المودة والألفة، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم: 21}.

ولأجل تحقيق هذا المقصد، جعل الشرع بين الزوجين حقوقًا وواجبات لتنظيم هذه الحياة، وسبق بيان بعضها في الفتوى: 27662.

والقول بأن الحياة الزوجية يجب أن تكون وفقًا للضوابط الشرعية، إن كان بمعنى عدم مخالفة الشرع فيها؛ فهذا صواب، ولكن من الخطأ فهم ذلك على نحو ما ذكر بالسؤال، من أنه يجب عليه أن يأمرها بأن تستأذنه، وأن لا يشاورها دائمًا، وأنه يجب عليه أن يذكرها بأنه صاحب القوامة عليها، ولا يسمح لها أن تنفق في البيت، فكل هذا لا دليل عليه، وهو غير صحيح.

وعلى سبيل المثال: ففي مسألة الاستئذان يكفي أن تعلم المرأة رضا زوجها بخروجها، ويكفي الإذن العرفي في ذلك كما ذكر أهل العلم. ويمكن مراجعة الفتوى: 404836.

وإذا كان الزوج غائبًا، فقد ذكر العلماء أن لها الخروج ما لم يمنعها زوجها، بشرط خروجها مراعية ضوابط الشرع من الستر والحجاب ونحو ذلك. وتراجع الفتوى: 359164.

وقوامة الرجل على المرأة قوامة ترتيب وتدبير وتنظيم أمر البيت، بحيث يسير على أحسن حال من الاستقرار، وليس المقصود بها تسلط الرجل عليها، وإذا كانت المرأة صالحة مستقيمة، فهذه هي المرأة التي تفهم تمامًا قوامة زوجها عليها، ولذلك قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء: 34}، فابتدأ الآية بذكر القوامة، وختمها ببيان مقصودها. وتراجع الفتوى: 427252.

وأما مشاورتها من عدمها، فلا علاقة له بأمر القوامة.

وكون النفقة واجبة على الزوج، لا يمنع من أن تنفق الزوجة، وتعين زوجها في ذلك، وخاصة إن كان في حاجة للمساعدة؛ فإن هذا مما تقوى به المودة، وتحسن به العشرة.

ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت زينب، امرأة ابن مسعود، تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله، هذه زينب، فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم، ائذنوا لها، فأذن لها، قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم. وكون المرأة تنفق في البيت، لا ينقص من أمر قوامة زوجها عليها.

والقول بأنه يجب على زوجها أن يذكرها فضله عليها، كلام مرسل لا دليل عليه، والوجوب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل. نعم، ولو أنها نشزت، فأول مراحل إصلاحها أن يذكرها بعظيم حقه عليها، فهذا في حالة خاصة، وهي النشوز، وليس الصلاح والاستقامة، وليس ذلك على سبيل الوجوب، بل الاستحباب.

أورد الطبري في تفسيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فعظوهن، يعني: عظوهن بكتاب الله. قال: أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله، ويعظِّم حقه عليها. اهـ.

وخلاصة الأمر: أن المقصود من الضوابط أن تكون الحياة على أحسن حال من الوئام والوفاق، لا أن تكون على سبيل الإذلال والإهانة، مما يمكن أن يحقق عكس مقصود الشرع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني