الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا حرج في عدم زيارة الكنة لحماتها المؤذية

السؤال

مَنَّ الله عليّ، ونوّر بصيرتي للهداية منذ أربع سنوات. عمري الآن 39 سنة، وعنديَّ ستّ بنات، ولله الحمد والمنة.
زوجتي ارتدت النقاب بفضل الله، ومنعنا الأغاني والمسلسلات، والتزمنا حضور الدروس الشرعية لنتعلّم سنة رسول الله ﷺ.
وفيما يخص قيام الليل؛ فبحمد الله، أواظب على قيام الليل يوميًّا من ساعتين إلى أربع ساعات، أقرأ خلالها ما تيسّر لي من خمسة إلى أحد عشر جزءًا من القرآن، لكنني أُصلّي ركعتين فقط، وأوتر بركعة أقرأ فيها سورة الإخلاص. وأجد نفسي مرتاحًا في القراءة من المصحف أثناء الصلاة. فهل هذا جائز؟ أم ينبغي أن أزيد عدد الركعات وأُقلل القراءة في الركعة الواحدة؟
أهلي -وهم أمي وأخواتي- لسن ملتزمات مثلنا؛ فهن يصلين ومحجّبات، لكنهن يستمعن كثيرًا إلى الأغاني ويتابعن المسلسلات، وينظرن إلينا على أننا متشدّدون.
أمّي، وعمرها 65 سنة، تصلي وتصوم، لكنها شديدة الرأي، وتُواجهني دائمًا بالرفض، وكذلك تُواجه زوجتي بسبب النقاب، وتقول لي: "بناتك سيفجرن والعياذ بالله؛ لأنك لا تَدعهن يعشن مثل غيرهن من سماع الأغاني وحضور الأفراح المختلطة.
أنا لا أردّ عليها، والله يعلم أنني بارٌّ بها منذ ما قبل التزامي، لكنها -للأسف- طردت زوجتي أكثر من مرة بلا أسباب تستحق ذلك. ومع ذلك، زوجتي كانت تذهب إليها، وتحاول أن تُرضيها. مع العلم أن أمي لها معاشها، ولا أنفق عليها، ولا أحد يخدمها؛ فهي قادرة على قضاء حوائجها بنفسها. بل إنها كانت تُساعدني أحيانًا في المعيشة. ولكن في الفترة الأخيرة، حصلت مشكلة في فرح ابن أختي؛ كان به أغاني واختلاط، فرفضتُ أن تحضر بناتي وزوجتي، فغضبت أمي منا، وأصبحت لا تردّ علينا السلام.
ذهبتُ إليها بعد الفرح، لكنها كانت قاسية في كلامها، لا تفتح أي مواضيع، ولا تتحدث إلينا. فقررتُ أن أمنع زوجتي من الذهاب إليها؛ لأنها كانت تُؤذيها وتُهاجمها في التزامها.
أما أنا، فقد قلّلتُ ذهابي إلى أمي؛ أزورها مرة واحدة في الأسبوع، وأجلس معها فترة قصيرة دون حديث طويل، خاصةً أنها تُشغّل الأغاني والمسلسلات أثناء وجودي. كما منعتُ نفسي من قبول أي مساعدة مادية منها. فهل إذا بقيتُ على هذا الحال أُعتبر عاقًّا لها وأُحاسَب عند الله؟
ويشهد الله أنني حاولتُ نصيحتها بكل أدب ولين، لكي تترك هذه الأمور، لكنها -ومعها أخواتي- يستهزئن بي ويسخرن مني.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله الذي منّ عليك بالهداية، وشرح صدرك للاجتهاد في طاعته، ونسأل الله تعالى أن يثبتك، ويسددك، ويجعل عملك خالصًا لوجهه، وأن يهدي أمّك وإخوتك، ويرزقهم الاستقامة على طاعته.

ولا حرج عليك -إن شاء الله- في القراءة من المصحف في قيام الليل، ولا يجب عليك زيادة عدد الركعات، وراجع الفتوى: 1781.

وإذا كنت قائما بحقّ أمّك، واصلاً لها، مجتنبًا الإساءة إليها؛ فلست عاقًا لها -إن شاء الله- ولا يجب على زوجتك زيارة أمّك، وخاصة إذا كانت أمّك تؤذيها.

لكن نصيحتنا لك؛ أن تجتهد في برّ أمّك، وفي الإحسان إليها، وأن تتحين بنصيحتها، وأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر في الأوقات المناسبة، وأن تكثر من الدعاء لها، وأن تتودد إليها، وتبادرها بالكلام الطيب، والفعال الجميلة، لتستلّ سخيمة صدرها، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].

فإذا كان ذلك مع بعض الأعداء، فكيف بالأمّ التي هي أرحم الناس بولدها! وحقّها عليه عظيم، وبرّها من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني