السؤال
نشكركم على جهودكم الطيبة وجعلها الله في ميزان حسناتكم.
أنا شاب في 24 من العمر وقد تقدمت لخطبة فتاه أعجبت بها لخلقها ولدينها ولكني لم أرها ومع ذلك أحببتها وتمنيت من الله سبحانه أن تكون من نصيبي وهذه الفتاة بادلتني نفس الشعور من المحبة في الله ولكنها لم تكن راغبة في الزواج بي لأنها تعرضت لمصيبة من الله وعزفت عن الزواج وسوف أشرح لكم ما تعرضت له وارجوا منكم إفادتنا بالصواب.
كان قد تقدم شخص لهذه الفتاة وقد كان يحبها وهي تحبه بشدة، ولكن أباها رفض، حاول هذا الشاب أن يثني أباها عن رأيه ليوافق ولكن الأب رفض رفضا قاطعا.
وفي هذه الأثناء كان الشاب يراسل الفتاة وهي تراسله، ووعدته بأن لا تتزوج أحدا غيره ، ولكن الموت حق فقد تعرض هذا الشاب لحادث مروع انتقل على إثره إلى جوار ربه (رحمه الله) حزنت هذه الفتاه وذهبت إلى أبيها غاضبة وأقسمت بأن لا تتزوج أحدا أبدا.
تقدم لها شبان كثر ولكنها كانت ترفض إلى أن جاء دوري فقد عرفت هذه الفتاه عن طريق غرف الدردشة الإسلامية وأعجبت بها لخلقها وتمسكها بدينها ، أخبرتها بأني أعجبت بها وأحببتها وأرغب في الزواج بها على سنه الله ورسوله الكريم ، قالت لي وأنا احبك ولا أستطيع أن أبتعد عنك لحظه وأنت تستحق كل الخير ولكني لا أفكر بالزواج وأخبرتني بقصتها مع الشاب.
حاولت أن أثنيها عن رأيها وطلبت منها أن تصلي صلاة الاستخارة وفعلت ، ولكنها قالت لي عندما أصلي الاستخارة أشعر باكتئاب ولكني مع ذلك أحبك ، وللعلم هي دائما تشعر بالاكتئاب حتى عندما تصلي الصلوات المكتوبة حسب ما قالت لي.
وقد صليت أنا صلاة الاستخارة، وكنت في كل مرة أصلي يزيد حبي لها ورغبتي في الزواج منها.
أخبرتها بما أشعر به ولكنها ترفض وتقول تزوج غيري وسأظل أحبك ما حييت.
فهل ما تفعله في نفسها من عدم رغبتها في الزواج لأنها أقسمت ووعدها الشاب بأن لا تتزوج غيره صواب ؟؟
إن كان ما تفعله في حق نفسها خطأ فأرجو منكم أن تقدموا لها النصيحة وترغبوها في الزواج والستر مستشهدين على عدم صحة فعلها بالقرآن والسنة .
أرجو إفادتنا بالجواب في أقرب وقت إن أمكن جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم ورزقكم الفردوس الأعلى من الجنة..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولا على حرمة التعارف والعلاقة مع فتاة أجنبية لما يترتب على ذلك من الضرر الخطير والفساد العظيم، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء حيث قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. متفق عليه. وهذا لفظ البخاري. وراجع للمزيد من الفائدة هاتين الفتويين: 11945، 18118.
وأما بشأن سؤالك فنقول: ليس من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا من سنة الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام ترك الزواج، بل إن الزواج من سنتهم، وقد كان لهم أزواج وذرية، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {الرعد: 38}
قال القرطبي رحمه الله: أي جعلناهم بشرا يقضون ما أحل الله من شهوات الدنيا وإنما التخصيص من الوحي، ثم قال: وهذه سنة المرسلين، كما نصت عليه هذه الآية والسنة واردة بمعناها. قال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم. الحديث، وقد تقدم في آل عمران وقال: من تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني. انتهى.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي اليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
كما أن ترك الزواج مخالف للفطرة التي فطر الله الخلق عليها، فقد خلق الله الإنسان ذكرا وأنثى كما قال تعالى: فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى {القيامة: 39} وجعل سبحانه ميلا وشهوة بين الجنسين لحكمة بالغة هي حفظ النسل وبقاء النوع البشري، وسن الزواج طريقا نظيفا لإشباع هذا الميل، وقضاء هذه الشهوة، فالعزوف عن الزواج مناقض لهذه الفطرة التي خلق الله عليها البشر ومخالف لسنة المرسلين، ومفض للوقوع في ما حرم الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة: ما بين لحييه وما بين رجليه. أخرجه مالك في الموطأ وغيره.
وبناء عليه، نقول لهذه الفتاة: عليك بالزواج الذي هو سنة الأنبياء، وفطرة الله، والعاصم من الحرام.
أما ترك الزواج من أجل الوعد الذي وعدته لذاك الشاب فلا يلزمها شرعا الوفاء به.
وأما القسم الذي أقسمت به له فتكفر عنه كفارة يمين، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
والله أعلم.