السؤال
منذ كنا صغارا، ونحن نسمع بأن المرأة التي تبيت وزوجها غضبان منها تبيت والملائكة تلعنها حتى تصبح. فهل هذا ينطبق على الرجل حين يبيت وزوجته متضايقة منه؟
فوالله بعض الأحيان أبيت والحزن يملأ قلبي، والدمع لا يكف بسبه لي دون سبب، وعدم اعترافه بخطئه, وكأن إهانة المرأة، وعدم إسماعها ما تحب من تطييب الخاطر يزيده رجولة!
والله حتى في أحسن الأحوال لا يحب أن يسمعني كلمة تشعرني إن كنت أعني له شيئا أم لا. فهل هذا من الدين؟
أرجو أن توجهوا الإجابة كأنه الذي يقرأ الجواب لعل وعسى أن يستجيب لهذا الخطاب.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، فإن خالف ذلك فهو آثم عاص يجب عليه التوبة إلى الله تعالى، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية: 69672، 69040، 59897.
وننصحك بعرض الفتاوى السابقة على زوجك، وظننا به أنه سيستجيب لأمر الله تعالى، وسيستجيب لما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تكرار الوصية بالنساء، حتى كانت الوصية بهن من آخر ما أوصى به وهو على فراش الموت -صلوات الله وسلامه عليه-.
كما أنه لا ينبغي أن يخرج نفسه من الخيرية التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وصححه الألباني.
وأما سؤالك: هل تظل الملائكة تلعن الزوج الذي بات هاجرا لفراش زوجته أم لا ؟ فنقول: إن هذا الوعيد ثبت في هجر الزوجة لفراش زوجها إذا دعاها إليه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح.
فالظاهر -والله أعلم- أن هذا الوعيد خاص بامتناع الزوجة من غير سبب عن فراش زوجها عند طلبه لها لقضاء حاجته منها، وقد بوب الإمام البخاري بذلك فقال: باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها، وبوب الإمام ابن حبان في صحيحه فقال: ذكر البيان بأن قوله -صلى الله عليه وسلم- فلم تجبه أراد به إذا دعاها إلى فراشه دون أمره إياها لسائر الحوائج.
لكن الزوج إن هجر زوجته في الفراش لغير سبب شرعي، فقد أساء عشرتها، وخالف أمر الله فيها، فهو آثم ومُعَرَّضٌ لسخط الله تعالى، وشديد انتقامه، ذلك أن الله تعالى لما أذن له في الهجر في الفراش إذا نشزت زوجته، نهاه عنه، وعن غيره من البغي، والتعدي عليها إذا أطاعته، وتوعده إذا لم يمتثل أمره، ولم يجتنب نهيه، فقال: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
قال ابن كثير في تفسيره: وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} أَيْ: فَإِذَا أَطَاعَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي جَمِيعِ مَا يُرِيدُ مِنْهَا، مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْهَا، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ ضربها ولا هجرانها.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} تَهْدِيدٌ لِلرِّجَالِ إِذَا بَغَوْا عَلَى النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، فَإِنَّ اللَّهَ الْعَلِيَّ الْكَبِيرَ وَلِيُّهُنَّ، وَهُوَ مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُنَّ وَبَغَى عَلَيْهِنَّ. انتهى
وقال الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير: وَمَعْنَى: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا فَلَا تَطْلُبُوا طَرِيقًا لِإِجْرَاءِ تِلْكَ الزَّوَاجِرِ عَلَيْهِنَّ، وَالْخِطَابُ صَالِحٌ لِكُلِّ مِنْ جُعِلَ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الزَّوْجَاتِ فِي حَالَةِ النُّشُوزِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ... اهـ
ثم قال أيضا: وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً تَذْيِيلٌ لِلتَّهْدِيدِ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيٌّ عَلَيْكُمْ، حَاكِمٌ فِيكُمْ، فَهُوَ يَعْدِلُ بَيْنَكُمْ، وَهُوَ كَبِيرٌ، أَيْ قَوِيٌّ قَادِرٌ، فَبِوَصْفِ الْعُلُوِّ يَتَعَيَّنُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَبِوَصْفِ الْقُدْرَةِ يُحْذَرُ بَطْشُهُ عِنْدَ عِصْيَانِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. انتهى.
وللفائدة يمكن مراجعة الفتوى: 116778.
والله أعلم.