السؤال
خطيبتي ارتدت الحجاب منذ يومين والحمد الله ولكن مدير الشركة صرح لها أنه لا يريدها أن تواصل العمل وهي ترتدي الحجاب وسيضطر لطردها وذكر أسبابا عديدة ومن جملتها أنه يخشى بموافقته لارتدائها الحجاب أن تتبعها بقية زميلاتها...
المهم أنه صرح برأيه القاطع وأمهلها يومين للتفكير بالأمر وقال لها ارتديه خارج العمل إن شئت أما إذا دخلت إلى الشركة فيجب أن تزيليه.
لو كانت المعطيات تنتهي لهذا الحد فقط لهان الخطب ولكان لزومها للبيت فرارا بدينها من الفتن أمر واجب وجلي ولكنها تعمل لأجل عائلتها فليس لوالديها دخل شهري وهي تنفق عليهما وعلى أخويها اللذين يدرسان بالجامعة علما وأنها عندما تتقاضى مرتبها تترك منه ثمن الإيجار وحاجياتها الشخصية وترسل بقية المرتب لعائلتها أي أنها باختصار تعمل لسد حاجيات أسرتها فقط فهي لم تتمكن بعد سنتين من العمل من ادخار أي مبلغ و لو قليلا.
علما وأن فرص قبول فتاة ترتدي الحجاب للعمل في بلدنا هي فرص ضئيلة، فماذا تفعل؟ هل تترك العمل وتظل تبحث عن عمل آخر مع العلم التام أنه يمكن أن تطول مدة البحث، هذا إن وجدت فعلا عملا بديلا. وفي أثناء هذه المدة من أين تأتي بالمال الذي كانت توفره شهريا لعائلتها علما وأن أمها أحيانا لا تستطيع شراء الدواء الذي نصحها الطبيب بالمداومة عليه وعدم الانقطاع عن تعاطيه فكيف إذا ما طالت مدة البحث عن عمل. كذلك الراتب الذي تتقاضاه حاليا هو راتب جيد و في صورة وجود عمل آخر ربما يكون الراتب أقل بكثير وعندها لن يعود بإمكانها تغطية حاجيات الأسرة.
أو أنها يجوز لها نزع الحجاب بقدر الضرورة عملا بمبدأ "الضرورات تقدر بقدرها" مع البحث عن عمل لا يمنع فيه الحجاب.
الأمر مستعجل وهي الآن في حالة نفسية كئيبة وكما أخبرتك فهمها الوحيد هو عائلتها وليس العمل في حد ذاته.
وأرجو عدم الإحالة إلى أجوبة أخرى لأنني تصفحت كل الفتاوى المتعلقة بهذا الموضوع و استنتجت أن أصعب شيء هو تحديد ما إذا كانت هذه الضرورة تصل إلى الحد الذي يبيح لها العمل بقوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" {البقرة: 173}.
وقوله تعالى: " وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ "{الأنعام: 117}.
و أظنكم أدرى منا ببعض الضوابط التي تجعل الأمر سهل التحديد.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتغطية المرأة شعر رأسها واجب ولا يجوز لها كشفه طاعة لمدير أو زوج أو غيرهما، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه، ولكن إذا اضطرت المرأة في عملها إلى شيء من ذلك فليكن بقدره، وحد الضرورة هو ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببه في الهلكة، أو أن تلحقه بسببه مشقة لا تحتمل، أو لا يتمكن المرء معها من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء، أو يلحق ذلك بمن تجب عليه نفقته وتلزمه مؤونته، والضرورة ـ في حال ثبوتها ـ تقدر بقدرها، وحيث زالت الضرورة أو وجد ما يقوم مقامها فلا يجوز ارتكاب الحرام لأجلها، ويرجع الأمر إلى أصله وهو التحريم القاطع، والذي يقدر الضرورة هو المرء نفسه فعليها أن تنظر في حالها هل يصل إلى ما ذكر فتترخص إلى أن تزول تلك الضرورة بوجود عمل آخر أو غيره، أم أن حالها لا يصل إلى حد الضرورة لوجود أعمال بديلة لا تمنع فيها من الحجاب وإن كان راتبها أقل لكنه يسد حاجتها ويكفي مؤونتها ومن تجب عليها نفقته كوالديها المعدمين.
فعليها أن تنظر في حالها بنفسها هل يصل إلى ما ذكر من حد الضرورة أم لا، وهل يمكنها إيجاد عمل مباح لا يمنعها من الحجاب ولا يضطرها إلى ارتكاب ما حرم عليها ولو كان راتبه قليلا لكنه يسد خلتها ويكفي حاجتها؟ والقليل مع البركة كثير، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا
وحيث قيل بالضرورة وجواز بقائها في عملها مع عدم الحجا ب فيجب عليها السعي مع ذلك لإيجاد عمل غيره، والضرورة تقدر بقدرها كما بينا في الفتوى رقم: 29064، وإن كنا لا نرى اضطرارا يبيح ارتكاب المحظور -فيما ذكرت من حالها- لأنها تستطيع إيجاد عمل آخر ولو كان راتبه قليلا لكنه يسد خلتها، ولها إخوة يستطيعون العمل ومساعدتها في الكسب.
ثم إن محل وجوب السعي عليها إذا كان أبواها فقيرين لا مال عندهما ولا يستطيعان الكسب، كما قال السرخسي في المبسوط عند ذكر وجوب النفقة على الولد لوالديه: إن كان له أبوان كبيران معسران، فإنه يفترض عليه الكسب بقدر كفايتهما، لأن نفقتهما مستحقة عليه بعد عسرته إذا كان متمكنا من الكسب..قال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً، وليس من المصاحبة بالمعروف تركهما يموتان جوعا مع قدرته على الكسب،.. فأما غير الوالدين من ذوي الرحم المحرم فلا يفترض على المرء الكسب للإنفاق عليهم، لأنه لا تستحق نفقتهم عليه إلا باعتبار صفة اليسار، ولكنه يندب إلى الكسب والإنفاق عليهم لما فيه من صلة الرحم، وهو مندوب إليه في الشرع .
والله أعلم.