باب ذكر اختلاف أهل العلم في الهبات التي لم تقبض
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن من وهب عبدا بعينه، أو دارا، أو دابة بعينها، وقبض ذلك الموهوب له بأمر الواهب أن الهبة صحيحة.
واختلفوا في الرجل يهب الرجل الشيء ويقبله الموهوب له الشيء، فقال كثير من أهل العلم: وممن قال هذا القول: ( لا تتم الهبة حتى يقبضها الموهوب له، ، إبراهيم) النخعي ، وسفيان الثوري والحسن بن صالح ، وعبيد الله بن الحسن، ، وأصحاب الرأي، والشافعي والمزني ، وكتب عمر: أيما رجل نحل من قد بلغ الحوز فلم يدفعه إليه فتلك النحلة باطلة.
وقال في عثمان البتي قال: إذا كان قد خرج من جميع حقه إليه فهو جائز إذا كان يجوز مع شركائه، وإن لم يقسم. رجل نحل ابنا له سهما معروفا كان له في أرض، ولم يكن قاسم أصحابه،
وقال ابن شبرمة: لا يجوز ذلك حتى يقسم. [ ص: 36 ]
قال : قول البتي أحب إلي. معمر
قال : أبو بكر ولمالك بن أنس في هذا الباب مذاهب يحتاج أن تحكى على جهتها.
قال في "الموطأ": الأمر عندنا فيمن أعطى أحدا عطية لا يريد ثوابها، وأشهد عليها أنها ثابتة للذي أعطيها إلا أن يموت المعطي قبل أن يقبضها الذي أعطيها. مالك
قال: ومن فليس ذلك له، فإذا قام عليها صاحبها أخذها. أعطى عطية لا يريد ثوابها، وأشهد عليها، ثم أراد أن يمسكها
ومن أعطى عطية ، ثم أنكر الذي أعطى، فجاء المعطى بشاهد يشهد له أنه أعطاه ذلك، عرضا كان أو ذهبا أو ورقا أو حيوانا أحلف الذي أعطي مع شاهده، فإن أبى الذي أعطي أن يحلف أحلف المعطي، فإن أبى أن يحلف أحلف المعطي، (فإن أبى أن يحلف [أدى] إلى المعطى ما ادعى عليه إذا كان له شاهد.
وحكى ، عن ابن القاسم أنه سأله عن ما يشتري الناس في حجهم من الهدايا لأهليهم، مثل الثياب كسوة لأهله، ثم يموت قبل أن يصل إلى بلده، قال: إن كان أشهد على ذلك رأيته لمن اشتراه له، وإن لم يشهد فهو ميراث، فقلت لمالك: فالرجل يبعث بالهدية أو بالصلة إلى الرجل وهو غائب، فيموت الذي بعث بها، أو الذي بعث إليه قبل أن يصل إلى المبعوثة إليه، قال: فإن كان أشهد على ذلك حين بعث بها [ ص: 37 ] على نفاذها فمات الباعث بها فهي للذي بعث إليه، وإن مات الذي بعث إليه بعدما أنفذها الباعث، وأشهد عليها، فهي لورثته، فإن لم يكن أشهد الباعث عليها حين بعث بها فأيهما مات منهما قبل أن يصل فهي ترجع إلى الباعث أو ورثته. مالك
قال : فمن حجة من قال: إن أبو بكر أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى الهبات لا تتم إلا بالقبض: للنجاشي مسكا، وقال لأهله: "أحسبه مات فإن يرجع إلي أعطكم منه" فكان ذلك، فرجع المسك إليه فأعطى منه، ولو كانت الهبة والهدية تجبان بقول صاحبهما لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - في هبته ولا هديته وملكه لغيره، وهو يقول - صلى الله عليه وسلم - : واحتجوا بقصة "الراجع [في] هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" أبي بكر في النحل الذي نحلها. وعائشة
8826 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري عروة، عن قالت: لما حضرت عائشة أبا بكر الوفاة قال: أبنية إنه ليس أحد أحب إلي غنى منك ولا أعز علي فقرا منك، وإنما هما أخواك وأختاك، قالت وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من أرضي التي بالغابة، وإنك لو كنت أحرزتيه كان لك، فإذا لم تفعلي فإنما هو للوارث، : هل إلا أم عبد [الله؟ قال: نعم، وذو بطن] [ ص: 38 ] ابنة خارجة، قد ألقي في نفسي أنها جارية، فأحسنوا إليها. عائشة
8827 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير ، المسور بن مخرمة أنهما سمعا وعبد الرحمن بن عبد القاري، يقول: عمر بن الخطاب ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات الابن قال الأب: مالي و [في] يدي، وإذا مات الأب قال: قد كنت نحلت [ابني] كذا وكذا، لا نحل إلا لمن حازه وقبضه عن أبيه.
8828 - حدثنا ، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز أبو نعيم ، قال: حدثنا عباد بن أبي سليمان التميمي، قال: سألت أنسا قلت: إن والدي كان قد جعل لوالدتي بعض الخدم، وقد هلك، وإن إخوتي نازعوها، فقال: إن كانت بانت بها في حياة منه فهي لها وإلا فهي في الميراث".
قال القائل بهذا القول: فالدلالة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عن أبي بكر ، وعمر، وعائشة، وأنس موجود على ما قلنا، وأن وقد أجمعوا على ثبوت ملك الواهب على الشيء الموهوب، واختلفوا في زوال ملكه عن الشيء إذا وهب ولم يقبض، [ ص: 39 ] فالشيء على ملك الواهب حتى يقبضه الموهوب له بأمر الواهب، فإذا قبضه بأمر الواهب وجب الشيء للموهوب؛ لاتفاقهم حينئذ على ذلك. الهبات لا تتم إلا بالقبض،
وقالت طائفة: إنما يزول الملك والكلام دون القبض، ولمن وهبت له هبة أن يقبضها بأمر الواهب وبغير أمره، وشبهوا ذلك بالبيع ينعقد بالكلام، هذا قول ، وكان أبي ثور يقول: الحسن البصري وقال إذا أعطى الرجل امرأته عطية معلومة فهو لها وإن لم تقبضه إذا شهد لها على ذلك، ، حماد بن أبي سليمان في امرأة أعطاها زوجها شيئا: قبضها إعلامه، هي في عياله. وابن أبي ليلى
وقال : ليس بينه وبينها حيازة، وهن معه في البيت، نحن نقول في الهبة إذا علمت فهي جائزة. أحمد بن حنبل
قال : وقد ذكرنا فيما ذكرناه عن أبو بكر مسائل تدل من قوله عن أن مالك لئلا يظن ظان أن في المسألة إجماعا، وقصة الهبة تتم بغير القبض إذا شهد؛ النجاشي غير ثابتة؛ لأن في إسنادها مقالا.
8829 - حدثنا يحيى بن محمد ، قال: حدثنا مسدد ، قال: حدثنا عن مسلم بن خالد، ، عن أمه موسى بن عقبة أم كلثوم ، قالت: قال: "إني قد أهديت إلى أم سلمة النجاشي أواق من مسك وحلة، وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية التي أهديت إلا سترد علي، فإن ردت علي فهي لك" فكان كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مات النجاشي وردت إليه الهدية، فلما ردت أعطى كل امرأة من نسائه [ ص: 40 ] أوقية من ذلك المسك، وأعطى سائرها ، وأعطاها الحلة. أم سلمة لما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال : والدة أبو بكر لا أعرفها، ولا أدري هل سمعت من موسى بن عقبة أم كلثوم أم لا، وقد أجاب عن خبر أبي بكر وعائشة: ، وقال: [ ص: 41 ] لا تخلو [إذا] نحلها من إحدى معنيين: إما أن يكون نحلها من النحل ما يكون ثمرته عشرين وسقا، فهذا ليس بمعلوم، ولا ندري كم ذلك من نخلة، أو يكون نحلها من الثمرة سوى النخل عشرين وسقا [...] ولا سهم من سهام معلومة، وكل هبة أو صدقة على هذا غير جائزة. والله أعلم. أبو ثور