ذكر الذي يجب على من بلغه الفرائض والحدود حد البلوغ
قال الله - تعالى - : ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ) الآية، فلم يوجب عز وجل عليهم الاستئذان إلا بعد بلوغ الحلم، وقال: ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ) الآية، وبلوغ النكاح هو: الحلم، وثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: . [ ص: 364 ] "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم"
9064 - حدثنا قال: حدثنا محمد بن إسماعيل عفان قال: حدثنا حماد، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عائشة . "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون والمعتوه حتى يفيق"
وأجمع أهل العلم على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل، وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر" . "أنه بعث
والأحكام والفرائض واجبة على المحتلم العاقل [بالكتاب] والسنة والاتفاق، وأجمع أهل العلم أن الفرائض والأحكام تجب على المرأة بظهور الحيض فيها، كما تجب على الرجل بالاحتلام .
قال ويجب عليها بالاحتلام من الأحكام ما يجب على الرجل . [ ص: 365 ] أبو بكر:
واختلفوا في خصال سوى الاحتلام، فمما اختلفوا فيه بلوغ [خمس] عشرة سنة، فقالت طائفة: إذا بلغ الغلام أو الجارية [خمس] عشرة سنة فقد بلغ ووجبت عليه الفرائض والحدود والأحكام، روينا عن أنه قال: إذا بلغ الغلام خمس عشرة أقيم عليه الحدود . عمر بن الخطاب
9065 - حدثنا قال: حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، عن حماد بن زيد، عن يحيى البكاء، قال: قال أبي العالية، عمر: . إذا بلغ الغلام خمس عشرة أقيم عليه الحدود
وهذا قول أن الحدود كلها تجب عليه إذا استكمل خمس عشرة سنة . الشافعي:
وكان يقول: هو مدرك إذا بلغ خمس عشرة سنة. وقال أحمد بن حنبل لا يجب على غلام في فطره في صيامه شهر رمضان الكفارة حتى يبلغ خمس عشرة سنة، إلا أن يحتلم قبل ذلك . الأوزاعي:
وفيه قول ثان: وهو أن الغلام إذا بلغ أربع عشرة سنة وطعن في [ الخامسة ] عشرة، وجب عليه الصوم والصلاة. حكي هذا القول عن [ ص: 366 ] وذكر إسحاق، ذلك عن إسحاق فأما ابن المبارك، وأصحابه مالك وأهل الكوفة فليس يعتبرون ببلوغ خمس عشرة سنة، وسأذكر قولهم فيما بعد إن شاء الله، ومن حجة ومن تبعه حديث الشافعي . ابن عمر
9066 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا قال: أخبرنا الشافعي، عن ابن عيينة، عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن قال: ابن عمر، أحد وأنا ابن [أربع عشرة فردني، وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن] خمس عشرة فأجازني. قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام نافع: فحدثت به فقال عمر بن عبد العزيز عمر: هذا فرق بين الذرية والمقاتلة .
وقد روينا عن عمر بن العزيز أنه وقت لأهل الشام [ثلاث عشرة] سنة في الغلام والجارية، ثم تجوز شهادته ووصيته وعتقه، ثم يؤخذ له ويؤخذ عليه .
وقد بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا لم يحتلم فأتاه ذلك إلى [ست عشرة سنة] " . [ ص: 367 ]
واختلفوا في الإنبات، فقالت طائفة: من أنبت منهما، روي عن إذا أنبت الغلام أو الجارية فقد بلغ أنه قال في غلام: انظروا إلى مؤتزره فقال: لو [كان] أنبت جلدته الحد، وروي عن عمر بن الخطاب عثمان أنه قال في غلام سرق: انظروا إلى مؤتزره فنظروا فلم يجدوه أنبت فلم يقطعه، وروي عن أنها أذنت لغلام لم يجدوه أنبت في الدخول عليها . أم سلمة
9067 - حدثنا عن إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن أيوب بن موسى، قال: ابتهر محمد بن حبان ابن أبي الصعبة بامرأة في شعره فرفع إلى عمر فقال: انظروا إلى مؤتزره فلم ينبت فقال: . لو كان أنبت الشعر جلدتك الحد
9068 - وحدثنا عن إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، أبي حصين، عن عبد الله بن عبيد - هو ابن عمير، أن عثمان أتي بغلام قد سرق فقال: انظروا إلى مؤتزره، فنظروا فلم يجدوه أنبت فلم يقطعه .
9069 - حدثنا قال: حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، عبيد بن وسيم، قال: حدثنا أبو شداد، قال: اشتراني [ ص: 368 ] أبو رافع فبعث معي بهدية إلى فقمت على الباب فاستأذنت فقالت لجواريها: انظروا، فإن كان أنبت فلا تدخلوه قال: فنظروا فلم يجدوني أنبت فدخلت عليها فقبلت الهدية ودعت لي بالبركة . أم سلمة،
وممن قال بأن الغلام يحد إذا أنبت الشعر: القاسم بن محمد، وحكي عن وسالم بن عبد الله. أنه قال فيمن أنبت ولم يحتلم ولم يبلغ أقصى سن الاحتلام: أنه يحد إذا أنبت. وكان مالك أحمد، وإسحاق، يقولون بهذا القول، واحتجوا في ذلك بحديث وأبو ثور عطية القرظي .
9070 - حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا هشيم، عن عن عبد الملك بن عمير، عطية القرظي قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فقال: "انظروا هل أنبت؟" فوجدوني لم أنبت فخلى عني .
وقالت طائفة: غير أن أهل الشرك نفصل بين الذين يقتل [مقاتلتهم] ويترك غير مقاتلتهم بالإنبات هذا [ ص: 369 ] مذهب لا يكون الإنبات حدا للبلوغ، وأما الشافعي. فحد البلوغ عنده أن يحتلم أو يبلغ من السن ما لا يجاوزه غلام إلا احتلم قبل ذلك. وقد روينا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولين: روينا عن مالك أبي بكر أنه أتي بغلام فشبره، فنقص أنملة من ستة أشبار، فتركه ولم يقطعه .
وعن أن غلاما سرق فأتي به عمر بن الخطاب فأخذوا مقياسه - قال عمر بن الخطاب أنس: ففتلت الخيط فتلا شديدا - فنقص أنملة فلم يقطعه. قال حميد: نقص من سداسي أنملة. وروي عن أنه قطع من شبر فوجد ستة أشبار . ابن الزبير
9071 - حدثنا قال: حدثنا علي بن عبد العزيز حجاج قال: حدثنا حماد، عن عن قتادة، أن خلاس بن عمرو، قال: علي بن أبي طالب فاقتص واقتص منه، فإذا استعانه رجل بغير إذن أهله ولم يبلغ خمسة أشبار فهو ضامن حتى يرجع، وإذا استعانه فأذن أهله فلا ضمان عليه . [ ص: 370 ] إذا بلغ الغلام خمسة أشبار جرت عليه الحدود
9072 - حدثنا أبو سعد، قال: حدثنا عن أبو موسى محمد بن المثنى، يحيى بن سعيد، عن حميد، عن أنس، أن أبا بكر أتي بسارق فشبره فنقص أنملة من ستة أشبار فتركه ولم يقطعه .
9073 - حدثنا قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج بن منهال حماد، قال: حدثنا حميد، عن أنس، أن فأخذوا مقياسه عمر بن الخطاب - قال غلاما سرق فأتي به أنس: ففتلت الخيط فتلا شديدا - فنقص أنملة فلم يقطعه .
قال حميد: نقص من سداسي أنملة .
9074 - وحدثنا عن إسحاق، عن عبد الرزاق، قال: سمعت ابن جريج، يقول: عبد الله بن أبي مليكة بوصيف ابن الزبير لعمر بن عبد الله بن أبي ربيعة قد سرق، فأمر به فشبر فوجد ستة أشبار ابن الزبير فقطعه. وأخبرنا عند ذلك أتي أن ابن الزبير كتب إلى عمر بن الخطاب العراق في غلام من بني عامر - يدعى نميلة - سرق وهو غلام، فكتب عمر أن أشبروه، فإن بلغ ستة أشبار [فاقطعوه] ، فشبر فنقص أنملة فترك، فسمي نميلة، فساد بعد ذلك أهل العراق .
وذكر ستة أشبار قال: الأشبار هي الخصلة [ ص: 371 ] الرابعة، يحكم به، ويشبر بالشبر. وكان إسحاق بن راهويه عطاء، والزهري، والحكم يقولون: لا قطع على من لم يحتلم. وقال سمعناه: أن الحلم أدناه أربعة عشرة، وأقصاه ثماني عشرة، فإذا جاءت الحدود أخذنا بأقصاها . سفيان الثوري
قال قد ذكرنا ما انتهى إلينا من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أهل العلم في حد البلوغ، وجاء أبو بكر: النعمان بحد لا نعلم أحدا من أهل العلم سبقه إليه، ذكر أن حد البلوغ في الغلام استكمال ثمان عشرة سنة إلا أن يحتلم قبل ذلك، وفي الجارية استكمال سبع عشرة سنة إلا أن تحيض قبل ذلك، فقوله هذا شاذ مخالف للسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقول أصحابه، وقول كل من نحفظ عنه من أهل العلم قديما وحديثا، ولو خالفه مخالف فجعل حد بلوغ الغلام سبع عشرة وحد بلوغ الجارية تسع عشرة سنة لم يكن بينه وبين النعمان فرق، وكان جوابه كجواب النعمان فيما خالف فيه السنن الثابتة وأقاويل أهل العلم .
قال أما الاحتلام فلا شك فيه أنه حد للبلوغ لما ذكرت من دلالة الكتاب والسنة والاتفاق، وكذلك وجود الحيض في النساء، وقد يكون استكمال خمس عشرة حدا لبلوغ الغلام والجارية، لحديث أبو بكر: وأما الإنبات فقد أمر الله في غير آية من كتابه بقتال المشركين وقتلهم فقال: ( ابن عمر، كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) الآية، وقال: ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) مع آي كثيرة [ ص: 372 ] من كتاب الله مما أمر الله بقتال المشركين، وثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك حديث "أنه نهى عن قتل النساء والصبيان" . ابن عمر
9075 - حدثنا حامد بن أبي حامد قال: حدثنا إسحاق الرازي، قال: حدثنا عن مالك بن أنس، نافع، عن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فأنكر ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان، وثبت أنه نهى ابن عمر، خالدا عن قتل الذرية والعسيف .
قال فكان أبو بكر: وهذا وإن لم يكن أبين في حد البلوغ من بلوغ خمس عشرة سنة فليس بدونه، فإن اعتل معتل بأن قصة فصل بين من أمر الله بقتله، وبين من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله بالإنبات، عطية القرظي في أبواب الجهاد والسير، فكذلك قصة في أبواب الجهاد والسير، و (التحكم) غير جائز . ابن عمر
وقد روينا عن أنها قالت إذا احتلمت المرأة وجب عليها ما وجب على أمها من الستر . عائشة
وأجمع أهل العلم أن الفرائض لا تجب على من بلغ مغلوبا على عقله، وحجتهم فيه قول الله: ( واتقون يا أولي الألباب ) . [ ص: 373 ]
والخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: . "رفع القلم عن ثلاث، عن المجنون والمعتوه حتى يفيق"