ذكر الأسباب التي إذا كانت موجودة وجب الحكم بالقسامة إذا ادعى ذلك المدعي 
اختلف أهل العلم في المعنى الذي إذا وجد وجب الحكم بالقسامة  ، فكان مالك  والشافعي  يقولان : إذا شهد شاهد واحد عدل على رجل أنه قتله وجب الحكم بالقسامة  وكان  الشافعي  يقول : إذا كان مثل السبب الذي حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت القسامة ، كانت خيبر  دار يهود محضة  [ ص: 428 ] لا يخلطهم غيرهم ، وكانت العداوة بين الأنصار واليهود ظاهرة ، وخرج عبد الله  بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل ، فإذا كان كذلك فلهم القسامة ، وكذلك قال أحمد  ، قال : إذا كان بين القوم عداوة أو شحناء كما كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود . 
وقالت طائفة : إذا قال المجروح أو المضروب : دمي عند فلان ومات  ، كانت قسامة . قال  عروة بن الزبير   : ضرب رجل رجلا بعصا فعاش يوما وقال : ضربني فلان فمات ، فأتى قومه عبد الملك يسألونه القود  ، فأمرهم أن يقسموا عليه فحلف منهم ستة رهط خمسين يمينا يردد الأيمان عليهم ، ثم دفعه إليهم قودا بصاحبهم . 
وقال  مالك   : الأمر المجتمع عليه الذي سمع وأدرك أهل العلم عليه والناس في القسامة ، والذي اجتمعت عليه الأئمة في القديم والحديث أن يبدأ المدعون في القسامة ، والقسامة لا تجب إلا بأحد أمرين : إما أن يقول المقتول دمي عند فلان ، وإما أن يأتي ولاة الدم [بلوث] من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم فهذا يوجب القسامة . وقال  الليث بن سعد   : إن المضروب إذا [قال] : قتلني فلان ومات على ذلك فشهد على قوله العدول ، أنهم يقسمون ويستحقون دمه مضت به السنة ، وعليه كان العمل بالمدينة  ، وحكى  ابن القاسم  عن  مالك  أنه قال : في كتاب الله  [ ص: 429 ] في قتيل بني إسرائيل  ما يصدق القسامة . قال الله عز وجل ( فقلنا اضربوه ببعضها   ) فذبحت البقرة ، ثم ضربوه بلحمها فحيا ، فتكلم فأخبرهم فقال : فلان الذي قتلني ، فقبل قوله ، فقال : هذا مما يبين القسامة . 
قال أبو بكر : والذي احتج به مالك بعيد الشبه من أبواب القسامة ، ومن مدع يدعي أن فلانا قتله لا بينة معه بدعواه ، ولو جاز أن يكون قصة بني إسرائيل أصلا لنا نعتمد عليه ، ونأخذ به في قتلانا لوجب أن نحكم بقول المدعي : فلان ضاربي ، أو جارحي ، من غير أن يقسم الورثة عليه ، لأن قتيل بني إسرائيل لم يقسم الورثة عليه ، وفي قوله : وفي قول جميع أهل العلم : أن أحدا لا يعطى بدعواه شيئا ، إذا لم يكن مع دعواه ما يجب أن يحكم له به ، دليل على أن خبر قتيل بني إسرائيل غير جائز أن يكون لنا أصلا نبني عليه المسائل ، وفي تركه أن يحكم بقول المدعي دون أن يقسم الورثة دليل على تركه أن يقول بمثل ما ذكر من قصة قتيل بني إسرائيل  ، وقد حكى  ابن وهب  عنه أنه قال فيمن قال عند موته : قتلني فلان خطأ : إن لم يكن مع قوله شيء لم  [ ص: 430 ] يقبل قوله ، لأنه مدع يتهم أن يكون يريد عناء ولده ، ولكن لو كان لوث أقسم معه وإن كان خطأ . 
قال  أبو بكر   : وهذا ترك فيه لأصله ، لأن المال إذا وجب أن يتهم فيه المدعي وجب أن يتهم في الدم ، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  "لو يعطى الناس بدعواهم ادعى ناس دماء رجال"  . 
 9627  - أخبرنا محمد بن عبد الله  قال : أخبرنا  ابن وهب  قال : أخبرني  ابن جريج  ، عن  ابن أبي مليكة  ، عن  عبد الله بن عباس  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  "لو يعطى الناس بدعواهم ادعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه"   . 
				
						
						
