17 - المهادنة على النظر للمسلمين
18658 - قال رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا: قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافعي وقريش، ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفا للحرب دونه من سراياه، وإعداد من يعدله من عدوه بنجد، ومنعت منه قريش أهل تهامة، ومنع أهل نجد منه أهل نجد والمشرق.
18659 - ثم الحديبية في ألف وأربعمائة، فسمعت به اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قريش فجمعت له، وجدت على منعه، ولهم جموع أكبر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو، فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدة، ولم يهادنهم على الأبد؛ لأن قتالهم حتى يسلموا فرض عليهم إذا قوي عليهم، وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين، ونزل عليه في سفره في أمرهم: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) .
18660 - قال فما كان في الإسلام فتح أعظم منه، وكانت الحرب قد أحجزت الناس، فلما أمنوا لم يكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله، فلقد أسلم في سنتين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك. ابن شهاب:
18661 - أخبرناه حدثنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، حدثني ابن إسحاق، ، عن الزهري عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، في والمسور بن مخرمة الحديبية قال: فدعت قصة قريش فقالوا: اذهب إلى هذا الرجل فصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، لا يحدث العرب أنه دخل علينا عنوة، فخرج سهيل بن عمرو، سهيل من عندهم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال: "قد أراد القوم الصلح [ ص: 408 ] حين بعثوا هذا الرجل"، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى بينهما القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض، وأن يرجع عنهم عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلوا بينه وبين مكة، فأقام بها ثلاثا، وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك، وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا، وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال.
18662 - وذكر الحديث بطوله، وفيه: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلت عليه سورة الفتح من أولها إلى آخرها: ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) ، وكانت القصة في سورة الفتح وما ذكر من بيعة رسوله تحت الشجرة، فلما أمن الناس وتفاوضوا لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه، فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان دخل فيه قبل ذلك، وكان صلح الحديبية فتحا عظيما.
18663 - قال رجعنا إلى إسناد أحمد: قال أبي سعيد ثم نقض بعض الشافعي: قريش، ولم ينكر عليه غيره، ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مخفيا لوجهه، ليصيب منهم غرة.
18664 - قال وليس للإمام أن يهادن على النظر إلى غير مدة، ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه متى شاء أن ينبذ إليه نبذا، افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 409 ] أموال الشافعي: خيبر عنوة، وكان رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحا، فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله يعملون له وللمسلمين بالشطر من التمر.
18665 - فإن قيل: ففي هذا نظر للمسلمين؟ قيل: نعم، كانت خيبر وسط مشركين، وكانت يهود أهلها ومخالفين للمشركين حولها وأقوياء على منعها منهم، وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة، ولم يكن بالمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها، فلما كثر المسلمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلاء يهود الحجاز، فثبت ذلك عند فأجلاهم. عمر
18666 - فإن قيل: فلم لا يقول: أقركم ما أقركم الله؟ قيل: الفرق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسوله بالوحي، ولا يأتي أحدا غيره بوحي، وبسط الكلام في خلال ما نقلت، وإنما نقلت ما عقله بالخبر، وهذا اللفظ: "نقركم ما أقركم الله" في رواية عن مالك، عن نافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ابن عمر،
18667 - وروي أيضا في غير هذه الرواية.
18668 - وقد روينا في حديث عن موسى بن عقبة، نافع، أن ابن عمر، أجلى اليهود من أرض عمر بن الخطاب، الحجاز، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين، فأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف التمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نقركم [ ص: 410 ] بها على ذلك ما شئنا"، فقروا بها حتى أجلاهم في إمارته إلى عمر تيما وأريحا أخبرناه عن أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أبو بكر القطان، حدثنا حدثنا أبو الأزهر، محمد بن شرحبيل، أخبرنا حدثنا ابن جريج، فذكره أخرجاه في الصحيح. موسى بن عقبة،
18669 - وروي ذلك أيضا عن غير موسى، عن نافع.
[ ص: 411 ]