وأما الارتياب المذكور في هذه الآية فقد اختلف أهل العلم فيه ما هو ، فقالت طائفة منهم : إذا طلقت المرأة فحاضت حيضة أو حيضتين ، ثم ارتفع حيضها مما لا يدرى ما رفعه عنها ، أنها تنتظر تسعة أشهر ، فإن لم تحض اعتدت ثلاثة أشهر ، فإن خرجت منهن قبل أن تحيض فقد خرجت من العدة ، وحلت للأزواج ، وجعلوا ارتفاع الحيض عنها هذه التسعة الأشهر ، هي الريبة التي جعل الله عز وجل العدة فيها ثلاثة أشهر وممن قال ذلك ، كما حدثنا مالك يونس ، قال أخبرنا ، قال قال ابن وهب : الأمر عندنا في المطلقة التي ترفعها حيضتها حين يطلقها زوجها ، أنها تنتظر تسعة أشهر ، فإن لم تحض اعتدت ثلاثة أشهر ، فإن حاضت قبل أن تستكمل ثلاثة أشهر استقبلت الحيض ، فإن مرت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلاثة أشهر ، فإن حاضت الثانية قبل أن تستكمل الثلاثة الأشهر ، استقبلت الحيض ، فإن مرت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلاثة أشهر ، فإن حاضت الثالثة كانت قد استكملت عدة الحيض ، وإن لم تحض استكملت الثلاثة الأشهر ، ثم حلت ، ولزوجها عليها في ذلك الرجعة قبل أن تحل إلا أن يكون بت طلاقها . مالك
وقد روي عن عمر بن الخطاب ، ما يدل على هذا المذهب . وابن عباس
1815 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ، قال : حدثني ابن وهب ، عن مالك ، يحيى بن سعيد عن ويزيد بن عبد الله بن قسيط ، ، أنه قال سعيد بن المسيب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ، ثم رفعتها حيضتها ، فإنها تنتظر [ ص: 332 ] تسعة أشهر ، فإن استبان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ، ثم حلت . عمر بن الخطاب : قال
1816 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا ، قال : أخبرني ابن وهب أن عمرو بن الحارث ، ، حدثه عن يحيى بن سعيد ، قال : سعيد بن المسيب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ، ثم رفعتها حيضتها ، فإنها تنتظر تسعة أشهر ، فإن استبان بها حمل فذاك وإلا اعتدت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ، ثم حلت . عمر بن الخطاب
فقلت ليحيى : أتحتسب في تلك السنة بما خلا من حيضتها ؟ فقال : لا ، ولكنها تأتنف السنة حين يرقى الحيض . قضى
1817 - حدثنا سليمان بن شعيب ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال حدثنا قال : همام بن يحيى ، عن امرأة حاضت حيضتين في شهرين ، ثم ارتفع حيضها فلم تحض سنة ، قال : زعم قتادة ، أن عكرمة : قال : تلك الريبة . ابن عباس سئل
وقالت طائفة : الارتياب إنما هو ارتياب المخاطبين في العدة للآيسة المطلقة ما هي ، ثم أعلمهم عز وجل أنها ثلاثة أشهر ، فكان معنى قوله عز وجل عندهم : ( إن ارتبتم ) ، أي إن شككتم في الواجب عليهن من العدد ، إذ كن لا يحضن ، ما هو والدليل على ذلك أنها لو كانت ممن قد يئسن من المحيض ، وأحاطت علما أنها ممن لا يكون منه حيض ولا حمل ، أنه لم ترفع عنها تلك العدة ، وأن العدة عليها ، وإن كانت كذلك ، فدل ذلك على أن الريبة المذكورة في الآية ليست من قبل المرأة في حمل يكون بها على ما ذهب إليه غيرهم ، لأنه لو كان إنما هو لريبتها في نفسها في حمل بطنها ، لكان من يعلم أنها لا تحمل ، وممن قد أتت عليها تسعون سنة ، أو ممن لم تبلغ ، تسقط عنها العدة ففي إثباتهم إياها عليها ونزول [ ص: 333 ] القرآن فيها دليل على أن الريبة التي هي في هذه الآية إنما هي من المخاطبين في شكهم في نفس العدة ممن لا حيض لها ما هي وممن قال ذلك ، أبو حنيفة ، وأبو يوسف وفي الآية ما قد دل على ما ذهبوا إليه ، لأنه جل وعز قال : ( والشافعي إن ارتبتم ) ولم يقل : ارتبتن .
وروي عن عثمان ، ، وعلي وابن مسعود ، ما يدل على أن مذاهبهم في هذا خلاف المذهب الأول الذي عن وزيد بن ثابت عمر . وابن عباس
1818 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ، قال أخبرني ابن وهب يونس ، وابن سمعان ، عن ، أخبرهما ابن شهاب حبان بن منقذ كانت عنده وامرأة من الأنصار ، فطلق الأنصارية وهي ترضع ابنه وهو صحيح ، فمكثت تسعة أشهر أو قريبا من ثمانية أشهر لا تحيض ، يمنعها الرضاع أن تحيض ، ثم مرض هند ابنة ربيعة حبان ، فقيل له : إن امرأتك ترثك إن مت ، فقال لأهله : احملوني إلى أن رجلا من الأنصار يقال له : عثمان فحملوه إليه ، فذكر له شأن امرأته ، وعنده علي وزيد ، فقال لهما عثمان : ماذا تريان ؟ فقالا : نرى أنها ترثه إن مات ، وهو يرثها إن ماتت ، فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ، وليست من الأبكار اللائي لم يحضن ، فهي عنده على حيضها ما كانت من قليل أو كثير ، وإنه لم يمنعها أن تحيض إلا الرضاع .
فرجع حبان إلى أهله فانتزع ابنه منها ، فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ، ثم حاضت أخرى في الهلال ، ثم اشتد بحبان وجعه قبل أن تحيض الثالثة ، ثم توفي حبان على رأس السنة أو قريبا منها ، فاختصت المرأتان إلى عثمان ، فشرك بينهما في الميراث ، وأمر الأنصارية أن تعتد عدة المتوفى عنها ، ثم قال للهاشمية : هذا رأي ابن عمك ، يعني عليا ، هو أشار علينا بهذا .
[ ص: 334 ] فقال قائل في هذا الحديث : إنه مات على رأس السنة أو قريبا من ذلك ، فقد يجوز أن تكون الحقيقة في ذلك موته قريبا من السنة ، وذلك يوجب لها الميراث ، إذ كانت لم تخرج من العدة ، لأنها إنما تخرج منها لتمام السنة .
قيل له : فقد روي هذا الحديث من غير هذا الطريق بتحقيق مضي السنة بغير شك كما شك . ابن شهاب
1819 - كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ، أن ابن وهب ، أخبره ، عن مالكا ، عن يحيى بن سعيد أنه قال : محمد بن يحيى بن حبان ، حبان امرأتان : هاشمية ، وأنصارية ، فطلق الأنصارية وهي ترضع ، فمرت به سنة ، ثم هلك ولم تحض ، فقالت : أنا أرثه ولم أحض فاختصمتا إلى عثمان ، فقضى لها بالميراث ، فلامت الهاشمية عثمان ، فقال لهذا : هذا عمل ابن عمك ، هو أشار علينا بهذا ، يعني عليا . كان عند جده
ففي هذا قول عثمان وزيد في الحديث الأول ، أن عليا وزيدا قالا لعثمان : إنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض ، وليست من الأبكار اللائي لم يحضن ، فهي عنده على حيضها ما كانت من قليل أو كثير فدل ذلك أن الريبة التي في الآية التي تلونا لم يكن عندهما ارتياب المرأة بنفسها ، ولكنها ارتياب الشاكين في ذلك من المخاطبين بها ، وأنها لا تكون موئسا حتى تكون من القواعد اللائي لا يرجى منهن الحيض ، وتابعهما عثمان على ذلك فقضى به وأما فروي عنه في ذلك ما : ابن مسعود
1820 - حثنا ، قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا بشر بن عمر ، عن شعبة سليمان ، قال : الأعمش إبراهيم ، فحدثني عن علقمة ، أنه طلق امرأة تطليقة أو تطليقتين ، فحاضت حيضة أو حيضتين ، ثم مكثت سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا ، فورثه منها ، وقال : حبس الله ميراثها ، . عبد الله سألت
1821 - حدثنا قال حدثنا عبد الملك بن مروان ، عن [ ص: 335 ] شجاع بن الوليد ، عن سليمان بن مهران ، إبراهيم ، عن علقمة ، عن ، مثله إلا أنه قال : ستة عشر شهرا ، ولم يشك . عبد الله
فهذا لم يجعلها بمضي السنة خارجة من العدة ، فدل ذلك أن مذهبه في ذلك كمذهب عبد الله عثمان ، ، وعلي وزيد .
ولما اختلفوا في ذلك كان الأولى بنا فيه حمل الآية على ظاهرها ، وأن لا يلحق بظاهرها ما لا يقوم لنا به الحجة أنه في باطنها وكان الذين يذهبون إلى القول الأول من القولين اللذين ذكرنا ، قد وقتوا الإياس تسعة أشهر ، ولم نجد ذلك منصوصا في كتاب ، ولا سنة ، ولا مجمعا عليه ، فبطل وجوب قبول ذلك ولما بطل وجوب قبول ذلك ثبت القول الآخر الذي لا توقيت فيه ، ولا خروج فيه عن الآية في ذلك ، ولا دعوى مع أهله لناظر فيها ، لا حجة له فيه توجب ذلك .