ويسألونك عن المحيض ) تأويل قوله تعالى : (
قال الله - عز وجل - : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ) ، وكان ذلك محكما معقولا المراد به ، ثم قال - عز وجل - : ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) ، فلم يبين لنا عز [ ص: 119 ] وجل في كتابه ما مراده في ذلك الاعتزال ؟ ثم بينه لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
145 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي سويد ، قال : حدثنا عن حماد بن سلمة ، ثابت ، أن اليهود كانوا إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ، فلم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فأنزل الله - عز وجل - : ( أنس ، ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح " فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حصين فقالا : يا رسول الله ، إن اليهود قالت كذا ، وكذا ، أفلا نجامعهن في المحيض ؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظننا أن قد غضب عليهما ، فخرجنا من عنده فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث في آثارهما فسقاهما فعلمنا أنه لم يجد عليهما . وعباد بن بشر ، عن
146 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، عن حماد بن سلمة ، ثابت ، أن اليهود كانوا لا يأكلون ولا يشربون ولا يقعدون مع الحيض في بيت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله - عز وجل - عن المحيض : ( أنس ، قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل ما شئتم ما سوى الجماع " . عن
فبين لنا في هذين الحديثين الاعتزال المراد في الآية ، وأنه الاعتزال في الجماع لا فيما سواه مما كانت اليهود يعتزلوهن فيه .
وأما ما في الحديث الأول من تغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قول أسيد أن اليهود قالت كذا وكذا ، فلا تجامعوهن في المحيض ، فوجه ذلك عندنا والله أعلم : أن الذي كان عليه اليهود من هذا هو شريعتهم التي كانوا عليها ، والذي على كل نبي اتباع شرائع الأنبياء قبله حتى يحدث الله - عز وجل - له من الشرائع ما ينسخها ، فلما قال وعباد بن بشر أسيد وعباد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالا ، وكان من [ ص: 120 ] مرادهما في ذلك مخالفة اليهود ولم يأمر الله - عز وجل - بخلافهم فيه إلى يومئذ ، كره ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهما . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ما :
147 - حدثنا قال : حدثنا الربيع المرادي ، أسد ، قال : حدثنا عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة ، إبراهيم ، عن الأسود ، عن رضي الله عنها ، أنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ، فوجد القر ، فقال : " يا عائشة ألقي علي من مرطك " قالت : فقلت إني حائض فقال : " أعلمه ويحك ، إن حيضك ليس في ثوبك " . عائشة ،
ففي هذا الحديث إباحة الطاهر أن يجتمع مع الحائض تحت مرط واحد .
148 - وقد حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، وهب ، قال : حدثنا عن شعبة ، المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن أنها قالت : كنت أشرب من الإناء وأنا حائض ، ثم أناوله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على ذلك المكان ، وكنت أتعرق من اللحم أو العظم ، ثم أناوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأخذه فيضع فاه على ذلك المكان فيتعرقه " . عائشة ،
ففي هذا الحديث إباحة سؤر الحائض وفضلها من الطعام الطاهر .
149 - وقد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، منبوذ ، عن أمه ، قالت : كنت عند فأتاها ميمونة وهو شعث الرأس ، فقالت : مالك أي بني شعث رأسك ؟ قال : ابن عباس أم عمار مرجلتي حائض فقالت " أي بني ، وأين الحيضة من اليد! كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيتلو القرآن ، وتقوم إحدانا بخمرته إلى المسجد فتبسطها وهي حائض ، أي بني وأين الحيضة من اليد " . عن
150 - حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، سفيان ، قال حدثنا منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه صفية ، قالت : عائشة ، " . كان النبي - صلى الله عليه وسلم - " يضع رأسه في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن [ ص: 121 ] . عن
151 - حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن أمه أن زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تعطي النبي - صلى الله عليه وسلم - الخمرة وهي حائض " . عائشة
ففي هذه الأحاديث إباحة الطاهر وضع رأسه في حجر الحائض وإباحة وضع الحائض له ما يصلي عليه .
152 - وقد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا أن ابن وهب ، حدثه ، عن مالكا عن أبيه ، هشام ، عن رضي الله عنها ، أنها قالت : " عائشة كنت أرجل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض " .
153 - حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عن منصور ، إبراهيم ، عن الأسود ، قالت : " كنت أغسل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف وأنا حائض " . عائشة ، عن
ففي هذا الحديث لأنها قد لاقت رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبلل الذي كان فيها من الماء . طهارة يد الحائض
154 - حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور ، إبراهيم ، عن الأسود ، قالت : " عائشة ، " . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر إحدانا أن تتزر وهي حائض ثم يضاجعها عن
قال وربما قال : يباشرها . شعبة :
155 - حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي ، جرير بن عمرو ، عن عن الشعبي ، مسروق ، عن رضي الله عنها ، قالت : " عائشة ربما باشرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حائض فوق الإزار " . [ ص: 122 ] .
156 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا قال : أخبرني ابن وهب ، يونس بن يزيد ، والليث ، عن عن ابن شهاب ، حبيب ، مولى عروة بن الزبير ، عن بدية ، قال كان ابن وهب : يقول : ندبة مولاة الليث ميمونة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين أو إلى الركبتين " ميمونة عن في حديث أحدهما محتجزة به .
157 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثني عن أسباط بن محمد ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عبد الله بن شداد ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض " . ميمونة ، عن
ففي هذه الأحاديث وهذا مما لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا . إباحة مباشرة الحيض فوق الإزار ،
واختلفوا في مجامعتها تحت الإزار في غير فرجها فأباح ذلك بعضهم وذهب إلى أن في حديث الذي قد ذكرناه في صدر هذا الباب قد دل على إباحة ذلك وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنس بن مالك . " اصنعوا كل شيء ما خلا الجماع "
وقالوا : ليس فيما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مباشرته نساءه فوق الإزار ما يدل على حرمة ما تحت الإزار منهن عليه ، وقالوا : قد روي عن في هذا بعد علمها بما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه مما قد رويناه عنها إباحة ذلك وذكروا ما : عائشة
158 - قد حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن خالد ، عن عبيد الله بن عمرو ، أيوب ، عن أن رجلا سأل أبي قلابة ، عائشة : قالت : " كل شيء إلا فرجها " . ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا ؟
159 - حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود ، عمرو ، قال : حدثنا عن عبيد الله ، أيوب ، عن عن أبي معشر ، إبراهيم ، عن مسروق ، عن مثل ذلك [ ص: 123 ] . عائشة
160 - حدثنا قال : حدثنا الربيع المرادي ، شعيب بن الليث ، قال : حدثنا عن الليث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، أبي مرة ، مولى عقيل ، عن حكيم بن عقال ، قال : سألت قلت : عائشة ، قالت : " فرجها " . ما يحرم علي من امرأتي إذا حاضت ؟
قالوا : وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على هذا المعنى أيضا فذكروا ما :
161 - حدثنا قال : حدثنا الربيع المرادي ، أسد ، قال : حدثنا عن يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، ثابت بن عبيد ، عن القاسم بن محمد ، رضي الله عنها ، قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ناوليني الخمرة من المسجد " ، فقلت : إني حائض ، فقال : " ليس حيضتك في يدك " . عائشة عن
162 - حدثنا قال : حدثنا الربيع المرادي ، أسد ، قال : حدثنا عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، البهي ، عن عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله . عائشة ،
163 - حدثنا الربيع ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا عن أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، البهي ، عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله ولم يذكر عائشة ، ابن عمر .
ففي هذه الأحاديث " ليس حيضتك في يدك " . لعائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال
فدل ذلك على أن كل عضو منها ليس فيه الحيضة في الطهارة ، بمعنى ما كان عليه قبل الحيض ، ودليل على أن الحيض لم يغير شيئا من المرأة عما كان عليه قبل الحيض غير موضع الحيض خاصة ، وممن ذهب إلى هذا القول فيما حدثنا محمد بن الحسن سليمان بن شعيب عن أبيه وهو قول مالك ، وأما والشافعي ، فكان يذهب في ذلك إلى القول الأول ويمنع من أبو حنيفة ومما ثبت ما ذهب إليه مجامعة الحيض إلا فيما فوق الإزار ، من ذلك ما : أبو حنيفة
164 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، زيد بن [ ص: 124 ] أبي أنيسة ، عن عن أبي إسحاق ، عمير ، مولى قال : " جاء نفر من أهل لعمر بن الخطاب ، العراق إلى فقال لهم عمر ، أبإذن جئتم ؟ قالوا : نعم ، قال : ما حاجتكم ؟ قالوا : جئنا نسألك عن ثلاثة أشياء قال : ما هي ؟ قالوا : نسألك عن عمر : صلاة الرجل في بيته تطوعا ما هي ؟ وعن والحائض ما يصلح لزوجها منها ؟ فقال لهم : أسحرة أنتم ؟ قالوا : لا ، قال : لقد سألتموني عن ثلاث ما سألني عنهن أحد منذ سألت عنهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيركم أما صلاة الرجل في بيته تطوعا فنور في بيتك ، وأما الحائض فلك منها ما فوق الإزار ، وليس ما تحته ، وأما الغسل من الجنابة فتبدأ فتتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرة ثم تفيض على سائر جسدك " . الغسل من الجنابة ؟
165 - حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، عن زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عاصم بن عمر السامي ، عن أحد النفر الذين أتوا وكانوا ثلاثة ، ثم ذكر هذا الحديث . عمر بن الخطاب
وكان من الحجة في مذهبه في هذا أن الحكم في ظاهر قول الله - عز وجل - : ( لأبي حنيفة فاعتزلوا النساء في المحيض ) هو اعتزالهن في كل أحوالهن حتى بين لنا على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أراد بذلك الاعتزال على ما في حديث فكان ذلك على اعتزال الجماع منهن خاصة ، ثم زاد خبر عمر - رضي الله عنه - على ذلك اعتزال الاطلاع على ما تحت الإزار منهن ، فكان أولى من خبر أنس ، لأن فيه زيادة على ما روى أنس ، فثبت بذلك عندنا ما قال أنس ، وهو قول أبو حنيفة حدثنا بذلك من قول أبي يوسف ، أبي حنيفة سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي حنيفة .