فصل : 
 265  - ذكر الواقدي  ، حدثني معاذ بن محمد  ، قال : سألت  عاصم بن عمر بن قتادة  ، يعني عن خبر الشعب ، فقال : إن قريشا مشت إلى أبي طالب  مرة بعد مرة ، فلما كانت المرة الأخيرة ، قالوا : يا أبا طالب  ، إنا جئناك مرة بعد مرة نكلمك في ابن أخيك أن يكف عنا ، فيأبى ، وتعلم أنك وإن كنت فينا ذا منزلة لشرفك ، ومكانك ، فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك حتى نهلكه ، أو يكف عنا ما قد أظهره فينا من شتم آبائنا ، وعيب ديننا ، فقال أبو طالب :  أنظر في ذلك ، ثم قال أبو طالب  لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا ابن أخي ، قد جاءني قومك يشكونك ، وقد آذوني فيك ، وحملوني ما لا أطيق أنا ، ولا أنت ، فاكفف عنهم ما يكرهون من شتمك آباءهم ، وعيبك دينهم ، قال : فاستعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : والله لو وضعت الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ما تركت هذا الأمر أبدا حتى أنفذه ، أو أهلك ، فلما رأى أبو طالب  ما بلغ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : يا ابن أخي ، امض على أمرك ، وافعل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا ، فلما رأت قريش أن قد أعذروا إلى أبي طالب  ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم بهذا الأمر أبت قريش أن تقار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أظهروا العداوة له ، ولبني عبد المطلب ،  وأقسموا بالله لنقتلن محمدا  سرا ، أو علانية ، فلما رأى أبو طالب  ذلك خافهم ، فجمع رهطه ، ثم انطلق بهم ، فأقامهم بين أستار الكعبة يدعو على ظلمة قومه في قطعهم أرحامهم ، وكتبت قريش كتابا ، فعلقوه في الكعبة ، ثم عمد أبو طالب  ،  [ ص: 198 ] فدخل الشعب بابن أخيه ، وبني عبد المطلب ،  وبني المطلب بن عبد مناف ،  فدخلوا الشعب فرارا من قومهم لما خوفوهم من قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم .  
قال الإمام - رحمه الله - : قال أهل التاريخ : فحصروا في الشعب ثلاث سنين ، وقطع عنهم المير حتى هلك من هلك ، وكتبت قريش كتابا على بني هاشم أن لا ينكحوهم ، ولا ينكحوا فيهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يبتاعوا منهم ، ولا يخالطوهم ، وكانوا لا يخرجون من الشعب إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد ، ويسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب ، قيل : كان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدي  فشلت يده ، وقيل كتبها طلحة بن أبي طلحة  ، قال أهل التاريخ : بعث مطعم بن عدي  بأربع جزائر موقرة طعاما حتى دخلت الشعب ، وقال : إن لهم أرحاما ، وقرابات ، وقد تلفوا ، فقال أبو جهل :  لا ننكر برك ، ولا صلتك ، فلو ما أرسلت به ليلا ، فلا يراك سفهاؤنا ، وأحداثنا ، فيجترؤون علينا ، ويتبعون محمدا ،  فقال : ما نتبع محمدا ،  وإنا على دين آبائنا ، ولكنا نصل أرحامنا ، أما والله ما وافقني حصرهم ، ولقد ظلموا ، واستخف بحقهم ، وما أنا بآمن أن نعاقب في ظلمنا إياهم ، فانكسر أبو جهل  ، وانصرف ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكر هذا لمطعم بن عدي .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					