340  - قال الواقدي :  ورآه رجال من يهود ، وعرفوا صفته ، وهم فلان  ، ودبيس  ، وتمام  ، وهم أهل الكتاب ، وهموا أن يغتالوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذهبوا إلى بحيراء  ، فذاكره ذلك ، وهم يظنون أن بحيراء  سيتابعهم على آرائهم ، فنهاهم أشد النهي ، وقال لهم : أتجدون صفته ؟ قالوا : نعم ، قال : فما لكم إليه سبيل ؟ فتركوه ، وخرج به أبو طالب  سريعا خائفا من يهود أن يغتالوه ، قال : ولما بلغ رسول الله خمسا وعشرين سنة ، وليس له بمكة  اسم إلا الأمين  لما تكاملت فيه خصال الخير ، قال له أبو طالب :  يا ابن أخي ، أنا رجل لا مال لي ، وقد اشتد الزمان علينا ، وألحت علينا سنون منكرة ، وليست لنا مادة ، ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ،   وخديجة بنت خويلد  تبعث رجالا من قومك في عيرانها ، فيتجرون لها في مالها ، ويصيبون منافع ، فلو جئتها ، فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك ،  [ ص: 232 ] وفضلتك على غيرك ؛ لما يبلغها من طهارتك ، وإن كنت لأكره أن تأتي الشام ،  وأخاف عليك من يهود ، فما أجد من ذلك بدا ، وكانت  خديجة  امرأة تاجرة ذات شرف ، ومال كثير ، وتجارة تبعث بها إلى الشام ،  فيكون عيرها كعامة عير قريش ، وكانت تستأجر الرجل ، وتدفع المال إليه مضاربة ، وكانت قريش قوما تجارا من لم يكن تاجرا من قريش ، فليس عندهم بشيء ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فلعلها أن ترسل إلي في ذلك ، قال أبو طالب :  إني أخاف أن تولي غيرك ، فبلغ  خديجة  ما كان من محاورة عمه له ، وقبل ذلك ما قد بلغه من صدق حديثه ، وعظم أمانته ، وكرم أخلاقه ، فقالت : ما دريته يريد هذا ، ثم أرسلت إليه ، فقالت : إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك ، وعظم أمانتك ، وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك ، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقي أبا طالب  ، فقال له ذلك ، فقال : إن هذا الرزق ساقه الله إليك ، فخرج مع غلامها ميسرة  حتى قدم الشام ،  وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما الشام ،  فنزلا في سوق بصرى  في ظل شجرة قريبا من إلى ميسرة  ، وكان يعرفه ، فقال : يا ميسرة  ، من هذا الذي تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة :  رجل من قريش من أهل الحرم ، فقال الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، ثم قال : أفي عينيه حمرة ؟ قال ميسرة :  نعم ، قال الراهب : هو هو ، وهو آخر الأنبياء ، ويا ليت أني أدركته حين يؤمر بالخروج ، فوعى ذلك ميسرة  ، ثم حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوق بصرى ،  فباع سلعته التي خرج بها واشترى ، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة ، فقال له الرجل : احلف باللات والعزى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما حلفت بهذا قط ، وإني لأمر ، فأعرض عنهما ، فقال الرجل : القول قولك ، ثم قال لميسرة  وخلا به : يا ميسرة  ، هذا نبي ، والذي نفسي بيده إنه هو هو يجده أحبارنا منعوتا في كتبهم ، فوعى ذلك ميسرة  ، ثم انصرف أهل العير جميعا ، وكان ميسرة  يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتجارتها قد ربحت ضعف ما كانت من خروجه إلى الشام  مع ميسرة  بقصة نسطور  ، والمرة الأولى مع أبي طالب  بقصة بحيراء .   
 [ ص: 233 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					