فصل : 
 342  - هرقل  ، وكتابا إلى صاحب دومة الجندل ،  وكتابا إلى النجاشي  ، وكتابا إلى كسرى بن هرمز  ، فأما كسرى  ، فلم يقرأه ، وأمر به ، فمزق ، وكتب إلى باذان  صاحب اليمن  من كسرى  إلى باذان  إني لم أستعملك على اليمن  لتأكل خيرها ، ولتلبس حريرها ، وإنما استعملتك عليها لتقاتل من عاداني ، وإنه بلغني أن رجلا من أهل تهامة  خرج عن دين قومه ، ويزعم أنه رسول الله يقال له : أحمد ،  فإذا جاءك كتابي هذا ، فاختر رجلين من أهل فارس  ممن ترضى عقله فابعثهما إليه ، واكتب معهما إليه أن يرجع إلى دين قومه ، فلما جاء باذان  الكتاب اختار رجلين من أهل فارس ،  وكتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بما كتب به كسرى  ، فقدما عليه ، فأعطياه الكتاب ، فرددهما شهرا يختلفان إليه ، فلا يجيبهما إلى جواب كتابهما ، فغدوا عليه يوما ، فقال : ما أحسبني إلا قد حبستكما ، وشققت عليكما ، قالا : أجل ، قال : فانطلقا ، فتلبسا واركبا ، ثم مرا بي ، ففعلا رجع إلى دين قومي ، أو أعده موعدا ألقاه ، فموعدنا أبواب صنعاء  إما بنفسي ، أو خيلي ، وأبلغاه عني أن ربي قد قتل ربه الغداة ، قال : فكتبنا ذلك اليوم ، ثم قدمنا على باذان  ، فقال : ما حبسكما ، فأبلغاه ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فأمر به ، فكتب ، فما لبثوا إلا أياما قليلة حتى جاء كتاب شيرويه بن كسرى  أما بعد ، فإني قتلت أبي يوم كذا ، وكذا ، فادع من قبلك من أهل فارس  إلى بيعتي ، وأن يسمعوا ، ويطيعوا ، قال : فدعا باذان  بالكتاب ، فإذا هو اليوم الذي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فقال باذان :  أي رجل أحمد ؟  قالا : خير الناس أصدقه لسانا ، قال : عليه حرس ؟ قالا : وما يصنع بالحرس ؟ لهو أحب إلى أصحابه من أنفسهم ، وأولادهم ، قال : هذا الملك  [ ص: 235 ] الهنيء ، فنادوا في أهل فارس  بايعوا شيرويه  ، واسمعوا ، وأطيعوا يا أهل فارس ،  قد أقبل ملك أحمد ،  وهذا الملك قد أدبر ، وأنا أهلك فيما بينهما ، قال عامر :  فأدبر ملك فارس ،  وهلك باذان  فيما بينهما ، قتله العنسي الكذاب  ، وتزوج امرأته . 
 343  - أبو بشر محمد بن عبيد الله الأردني  ، قال : لما نزل  أبو عبيدة  اليرموك  وضم إليه قواصيه ، وجاءتنا جموع الروم  بعث باهان  صاحب جيش الروم  رجلا من كبارهم ، وعظمائهم يقال له : جرجير  إلى  أبي عبيدة بن الجراح  ، فأتى  أبا عبيدة  ، فقال له : إني رسول باهان  إليك ، وهو عامل ملك الروم  على الشام ،  وعلى هذه الحصون ، وهو يقول لك : أرسل إلي الرجل الذي كان قبلك أمير ، فإنه قد ذكر لي أن ذلك الرجل له عقل ، وله فيكم حسب ، فنخبره بما نريد ، ونسأله عما تريدون ، فإن وقع بيننا وبينكم أمر لنا فيه ، ولكم صلاح أخذنا الحظ من ذلك ، وحمدنا الله عليه ، وإن لم يتفق ذلك بيننا وبينكم ، فإن القتال من وراء ما هناك ، فدعا  أبو عبيدة  خالدا  ، فأخبره بالذي جاء فيه الرومي ، وقال لخالد :  القهم ، فادعهم إلى الإسلام ، فإن قبلوا ، وإلا فاعرض عليهم الجزية ، فإن أبوا ، فأعلمهم أنا سنناجزهم حتى يحكم الله - عز وجل - بيننا وبينهم ، قال : وجاءهم رسولهم الرومي عند غروب الشمس ، فلم يمكث ، ولكن إذا أصبحت غدوت إلى صاحبك إن شاء الله فارجع ، فأعلمه ، فجعل المسلمون ينتظرون الرومي أن يقوم إلى صاحبه ، ويخبره بما ردوا عليه ، فأخذ الرومي لا يبرح ، وينظر إلى رجال من المسلمين وهم يصلون ، ويدعون الله - عز وجل - ، ويتضرعون إليه ، فقال :  عمرو بن العاص   - رضي الله عنه - : إن رسولكم هذا الذي أرسل إليكم لمجنون ، فقال  أبو عبيدة :  كلا أما تنظر إلى نظره إلى المسلمين ، وجعل الرومي ما يصرف بصره عنهم ، فقال  أبو عبيدة   - رضي الله عنه - : إني لأرجو أن يكون الله - عز وجل - قد قذف في قلبه الإيمان ، وحببه إليه ، وعرفه فضله ، فمكث الرومي بذلك قليلا ، ثم أقبل على  أبي عبيدة   - رضي الله عنه - ، فقال : أيها الرجل ، متى دخلتم في هذا الدين ؟ ومتى دعوتم إليه الناس ؟ فقال  أبو عبيدة :  منذ بضع وعشرين سنة ، فمنا من أسلم حين أتاه الرسول ، ومنا من أسلم بعد ذلك ، فقال : هل كان رسولكم أخبركم أنه يأتي من بعده رسول عيسى ابن مريم   - عليه السلام -  [ ص: 236 ] ذلك من الشاهدين ، فإن عيسى  صلوات الله عليه قد بشرنا براكب الجمل ، وما أظنه إلا صاحبكم ، فأخبرني : هل قال صاحبكم في عيسى  شيئا ؟ وما قولكم أنتم فيه ؟ قال  أبو عبيدة :  قول صاحبنا هو قول الله تبارك وتعالى ، وهو أصدق القول ، وأبره : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون   ) ، وقال عز وجل : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه   ) إلى قوله : ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون   ) ، ففسر له الترجمان هذا بالرومية ، فقال : أشهد أن هذه صفة عيسى ابن مريم ،  وأشهد أن نبيكم - صلى الله عليه وسلم - صادق ، وأنه الذي بشرنا به عيسى   - عليه السلام - ، وأنكم قوم صدق ، وقال  لأبي عبيدة   - رضي الله عنه - : ادع لي رجلين من أوائل أصحابك إسلاما ، وهما فيما ترى أفضل ، فدعا له  أبو عبيدة   معاذ بن جبل  ، وسعيد بن زيد بن هذان  من أفضل المسلمين إسلاما ، فقال لهم الرومي : أتضمنون لي الجنة إن أنا أسلمت ، وجاهدت معكم ، قالوا : نعم ، إن أنت أسلمت واستقمت ، ولم تغير حتى تموت ، وأنت على ذلك ، فأسلم ، وفرح المسلمون بإسلامه ، وصافحوه ، ودعوا له بخير .  
قال الإمام - رحمه الله - : هذا آخر ما اتفق إملاؤه في دلائل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم - ، أمليته على قدر ما وصلت يدي إليه ، مع تقسم الفكر ، أسأل الله أن ينفعني وطلبة العلم بذلك ، وأسأله أن يرحمني وإياهم ، ويخص ولدي أبا عبد الله  بالنصيب الأوفى من ذلك ، وأن يجزل له كرامة الآخرة ، ولا يحرمه نعيمها كما حرمه نعيم الدنيا ، إنه سميع مجيب ، وصلى الله على محمد  نبيه ، وآله وسلم . 
تم انتساخ كتاب دلائل النبوة بحمد الله المنزه عن البنوة ، والأبوة بيد العبد الضعيف أبي روح محمد بن أبي إسماعيل بن أبي ذر الصالحاني  سادس عشر جمادى الأولى سنة ثمانين وخمسمائة ، روح الله من دعا له بالغفران . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					