[ ص: 302 ] أخبرنا أبو بكر بن حبيب أبو سعيد بن أبي صادق ، نا قال: سمعت ابن باكويه نصر بن أبي نصر العطار يقول سمعت علي بن محمد المصري قال سمعت يقول: دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة من بعد فسررت بوصولي ثم فكرت في نفسي أني شكيت وأني توكلت على غيره فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا إن حملت إليها فحفرت لنفسي في الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إلى صدري فسمعت صوتا في نصف الليل عاليا يا أهل المرحلة إن لله وليا حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إلى المرحلة. أبا سعيد الخراز
قال المصنف رحمه الله: قلت لقد تنطع هذا الرجل على طبعه فأراد منه ما لم يوضع عليه لأن طبع ابن آدم أن يهش إلى ما يحب ولا لوم على العطشان إذا هش إلى الماء ولا على الجائع إذا هش إلى الطعام فكذلك كل من هش إلى محبوب له وقد المدينة أسرع السير حبا للوطن. ولما خرج من كان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قدم من سفر فلاحت له مكة تلفت إليها شوقا. وكان بلال يقول لعن الله عتبة ، وشيبة إذا أخرجونا من مكة ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
فنعوذ بالله من الإقبال على العمل بغير مقتضى العلم والعقل. ثم حبسه نفسه عن صلاة الجماعة قبيح. وأي شيء في هذا من التقرب إلى الله سبحانه إنما هو محض جهل، أنبأنا ابن ناصر ، نا جعفر بن أحمد السراج ، نا عبد العزيز بن علي بن أحمد ، ثنا أبو الحسن علي بن جهضم ، ثنا بكر بن محمد. قال كنت عند أبي الخير النيسابوري فبسطني بمحادثته لي بذكر باديته إلى أن سألته عن سبب قطع يده فقال يد جنت فقطعت. ثم اجتمعت به مع جماعة فسألوه عن ذلك. فقال: سافرت حتى بلغت إسندرية فأقمت بها اثنتي عشرة سنة وكنت قد بنيت بها كوخا فكنت أجيء إليه من ليل إلى ليل وأفطر على ما ينفضه المرابطون وإذا حم الكلام على قمامة السفر وآكل من البردي في الشتاء فنوديت في سري يا تزعم أنك لا تشارك الخلق في أقواتهم وتشير إلى التوكل وأنت في وسط القوم جالس فقلت: إلهي وسيدي وعزتك لا مددت يدي إلى شيء مما تنبته الأرض حتى تكون الموصل إلى رزقي من حيث لا أكون فيه فأقمت اثني عشر يوما [ ص: 303 ] أصلي الفرض وأتنفل ثم عجزت عن النافلة فأقمت اثني عشر يوما أصلي الفرض والسنة ثم عجزت عن السنة فأقمت اثني عشر يوما أصلي الفرض لا غير ثم عجزت عن القيام فأقمت اثني عشر يوما أصلي جالسا لا غير ثم عجزت عن الجلوس فرأيت إن طرحت نفسي ذهب فرضي فلجأت إلى الله بسري وقلت إلهي وسيدي افترضت علي فرضا تسألني عنه وقسمت لي رزقا وضمنته لي فتفضل علي برزقي ولا تؤاخذني بما عقدته معك فوعزتك لأجتهدن أن لا حللت عقدا عقدته معك فإذا بين يدي قرصان بينهما شيء فكنت أجده على الدوام من الليل إلى الليل ثم طولبت بالمسير إلى الثغر فسرت حتى دخلت أبا الخير الفرما فوجدت في الجامع قاصدا يذكر زكرياء والمنشار وأن الله تعالى أوحى إليه حين نشر فقال إن صعدت إلي منك أنة لأمحونك من ديوان النبوة فصبر حتى قطع شطرين. فقلت لقد كان قصة زكريا صبارا إلهي وسيدي لئن ابتليتني صبرت وسرت حتى دخلت أنطاكية فرآني بعض إخواني وعلم أني أريد الثغر فدفع إلي سيفا وترسا وحربة فدخلت الثغر وكنت حينئذ أحتشم من الله تعالى أن أتوارى وراء السور خفية من العدو فجعلت مقامي في غابة أكون فيها بالنهار وأخرج بالليل إلى شاطئ البحر فأغرز الحربة على الساحل وأسند الترس إليها محرابا وأتقلد سيفي وأصلي إلى الغداة فإذا صليت الصبح غدوت إلى الغابة فكنت فيها نهاري أجمع فبدوت في بعض الأيام فعثرت بشجرة فاستحسنت ثمرها ونسيت عقدي مع الله وقسمي به إني لا أمد يدي إلى شيء مما تنبت الأرض فمددت يدي فأخذت بعض الثمرة فبينا أنا أمضغها ذكرت العقد فرميت بها من في وجلست ويدي على رأسي فدار بي فرسان وقالوا لي قم فأخرجوني إلى الساحل فإذا أمير وحوله خيل ورجالة وبين يديه جماعة سودان كانوا يقطعون الخيل وقد أخذهم وافترقت الخيل في طلب من هرب منهم فوجدوني أسود معي سيف وترس وحربة فلما قدمت إلى الأمير قال أين أنت قلت عبد من عبيد الله فقال للسودان تعرفونه قالوا لا، قال: بلى هو رئيسكم وإنما تفدونه بأنفسكم لأقطعن أيديكم وأرجلكم فقدموهم ولم يزل يقدم رجلا رجلا ويقطع يده ورجله حتى انتهى إلي فقال تقدم مد يدك فمددتها فقطعت ثم قال مد رجلك فمددتها ورفعت رأسي إلى السماء وقلت إلهي وسيدي يدي جنت ورجلي أيش عملت [ ص: 304 ] فإذا بفارس قد وقف على الحلقة ورمى بنفسه إلى الأرض وصاح أيش تعملون تريدون أن تنطبق الخضراء على الغبراء. هذا رجل صالح يعرف بأبي الخير فرمى الأمير نفسه وأخذ يدي المقطوعة من الأرض وقبلها وتعلق بي يقبل صدري ويبكي ويقول سألتك بالله أن تجعلني في حل فقلت قد جعلتك في حل من أول ما قطعتها هذه يد قد جنت فقطعت.