قال ثابت: صلة يأكل يوما، فأتاه رجل، فقال: مات أخوك، قال: هيهات، قد نعي إلي، اجلس فكل، قال الرجل: ما سبقني إليك أحد، فقال: قال الله: ( وكان إنك ميت وإنهم ميتون ) .
حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري ، حدثنا الغلابي، حدثنا قال: ابن عائشة،
اصبر لكل مصيبة، وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا ذكرت محمدا ومصابه
فاذكر مصابك بالنبي محمد
وأنشدني محمد بن إسحاق الواسطي:
[ ص: 164 ]
يعزي المعزي، ثم يمضي لشأنه ويبقى المعزى في أحر من الجمر
ويرمى المعزى بعد ذاك بسلوة ويثوي المعزى عنه في وحشة القبر
وأنشدني المنتصر بن بلال:
من يسبق السلوة بالصبر فاز بفضل الحمد والأجر
يا عجبي من هلع جازع يصبح بين الذم والوزر
مصيبة الإنسان في دينه أعظم من جائحة الدهر
وأنشدني عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
تجري المقادير إن عسرا وإن يسرا حاذرت واقعها أو لم تكن حذرا
والعسر عن قدر يجري إلى يسر والصبر أفضل شيء وافق الظفرا
سمعت إسحاق بن أحمد القطان البغدادي بتستر يقول: كان لنا جار ببغداد كنا نسميه طبيب القراء، وكان يتفقد الصالحين، ويتعاهدهم، فقال لي: دخلت يوما على أحمد بن حنبل، فإذا هو مغموم مكروب، فقلت: ما لك يا أبا عبد الله؟ قال: خير، قلت: وما الخير؟ قال: امتحنت بتلك المحنة حتى ضربت، ثم عالجوني، وبرأت، إلا أنه بقي في صلبي موضع يوجعني هو أشد علي من ذلك الضرب، قال: قلت: اكشف لي عن صلبك، قال: فكشف لي، فلم أر فيه إلا أثر الضرب فقط، فقلت: ليس لي بذي معرفة، ولكن سأستخبر عن هذا، قال: فخرجت من عنده حتى أتيت صاحب الحبس، وكان بيني وبينه فضل معرفة، فقلت له: أدخل الحبس في حاجة؟ قال: ادخل، فدخلت، وجمعت فتيانهم، وكان معي دريهمات فرقتها عليهم، وجعلت أحدثهم حتى أنسوا بي، ثم قلت: من منكم ضرب أكثر؟ قال: فأخذوا يتفاخرون حتى اتفقوا على واحد منهم أنه أكثرهم ضربا، وأشدهم صبرا، قال: فقلت له: أسألك عن شيء؟ فقال: هات، فقلت: شيخ ضعيف ليس صناعته كصناعتكم، ضرب على الجوع [ ص: 165 ] للقتل سياطا يسيرة، إلا أنه لم يمت، وعالجوه، وبرأ، إلا أن موضعا في صلبه يوجعه وجعا ليس له عليه صبر، قال: فضحك، فقلت: ما لك؟ قال: الذي عالجه كان حائكا، قلت: أيش الخبر، قال: ترك في صلبه قطعة لحم ميتة لم يقلعها، قلت: فما الحيلة؟ قال: يبط صلبه، وتؤخذ تلك القطعة، ويرمى بها، وإن تركت بلغت إلى فؤاده، فقتلته، قال: فخرجت من الحبس، فدخلت على أحمد بن حنبل، فوجدته على حالته، فقصصت عليه القصة، قال: ومن يبطه؟ قلت: أنا، قال: أو تفعل؟ قلت: نعم، قال: فقام فدخل البيت، ثم خرج وبيده مخدتان، وعلى كتفه فوطة، فوضع إحداهما لي، والأخرى له، ثم قعد عليها، وقال: استخر الله، فكشفت الفوطة عن صلبه، وقلت: أرني موضع الوجع، فقال: ضع إصبعك عليه، فإني أخبرك به، فوضعت إصبعي، وقلت: ها هنا موضع الوجع؟ قال: هاهنا أحمد الله على العافية، فقلت: ها هنا؟ قال: هاهنا أحمد الله على العافية، فقلت: ها هنا؟ قال: هاهنا أسأل الله العافية، قال: فعلمت أنه موضع الوجع، قال: فوضعت المبضع عليه، فلما أحس بحرارة المبضع وضع يده على رأسه، وجعل يقول: اللهم اغفر للمعتصم، حتى بططته، فأخذت القطعة الميتة، ورميت بها، وشددت العصابة عليه، وهو لا يزيد على قوله: اللهم اغفر للمعتصم، قال: ثم هدأ وسكن، ثم قال: كأني كنت معلقا فأصدرت، قلت: يا أبا عبد الله، إن الناس إذا امتحنوا محنة دعوا على من ظلمهم، ورأيتك تدعو للمعتصم؟ قال: إني أفكرت فيما تقول، وهو ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكرهت أن آتي يوم القيامة وبيني وبين أحد من قرابته خصومة، هو مني في حل.
[ ص: 166 ]