أمنت على السر امرءا غير حازم ولكنه في النصح غير مريب [ ص: 196 ] فذاع به في الناس، حتى كأنما
بعلياء نار أوقدت بثقوب فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه
وما كل مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند واحد
فحق له من طاعة بنصيب
سمعت محمد بن نصر بن نوفل المروزي يقول: سمعت أبا داود السنجي يقول: سمعت ابن الأعرابي يقول: قال بعض الحكماء: "اثنان ظالمان: رجل أهديت له النصيحة فاتخذها ذنبا، ورجل وسع له في مكان ضيق فجلس متربعا".
قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم كما أن الدنيا ليست إلا لمن تركها، ولا الآخرة إلا لمن طلبها، وليس على كل ذي نصح إلا الجهد، ولو لم يقبل من نصحائه ما يثقل عليه لم يحمد غب رأيه، ومشاورة الأصم أحمد من الناصح المعرض عنه، ومن بذل نصيحة لمن لا يشكر كان كالباذر في السباخ، وأكثر ما يوجد ترك النصيحة محاطة بالتهمة، وليست النصيحة إلا لمن قبلها، من المعجب برأيه، وأنشدني قبول النصيحة الأبرش:
إذا نصحت لذي عجب لترشده فلم يطعك، فلا تنصح له أبدا
فإن ذا العجب لا يعطيك طاعته ولا يجيب إلى إرشاده أحدا
وما عليك، وإن غاو غوى حقبا إن لم يكن لك قربى، أو يكن ولدا
قال - رضي الله عنه - : النصيحة تجب على الناس كافة على ما ذكرنا قبل، ولكن إبداؤها لا يجب إلا سرا؛ لأن من وعظ أخاه علانية فقد شانه، ومن وعظه سرا فقد زانه، فإبلاغ المجهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه. أبو حاتم
ولقد أنبأنا محمد بن عثمان العقبي ، حدثنا الرمادي ، حدثنا ، حدثنا علي بن المديني سفيان، قال: قلت لمسعر: "تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال: أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وأما أن يجيء ناصح فنعم".