[ ص: 82 ] أنبأنا القطان بالرقة حدثنا المروروذي قال: سمعت يقول " رأيت أحمد بن حنبل يكتب إلى أخ له: إن استطعت أن لا تكون لغير الله عبدا ما وجدت من العبودية بدا، فافعل ". ابن السماك
قال رضي الله عنه: العاقل لا يستعبد نفسه لأمثاله بالقيام في رعاية حقوقهم، والتصبر على ورود الأذى منهم، ما وجد إلى ترك الدخول فيه سبيلا، لأنه إذا حسم عن نفسه ترك الاختلاط بالعالم، والمخالطة بهم تمكن من صفاء القلب، وعدم تكدر الأوقات في الطاعات. أبو حاتم
ولقد معا. استعمل العزلة جماعة من المتقدمين مع العام والخاص
كما أخبرنا محمد بن إبراهيم الخالدي ، حدثنا داود بن أحمد بن سليمان الدمياطي ، حدثنا عبد الرحمن بن عفان قال: سمعت يقول " عاد ابن المبارك فضيل ، فأغلق داود الطائي، داود الباب، وجلس فضيل خارج الباب يبكي، وداود داخل البيت يبكي ".
أنبأنا الحسين بن محمد السنجي ، حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا الحسن بن مالك قال: سمعت بكر محمد العابد يقول: قال لي " يا داود الطائي بكر، استوحش من الناس كما تستوحش من السبع ".
أنبأنا محمد بن أحمد بن الفرج البغدادي بالأبلة حدثنا إبراهيم بن حماد بن زياد ، حدثنا قال " رئي إلى جنب عبد العزيز بن الخطاب كلب عظيم ضخم أسود رابض، فقيل له: يا مالك بن دينار ألا ترى هذا الكلب إلى جنبك؟ قال: هذا خير من جليس السوء ". أبا يحيى،
[ ص: 83 ] قال رضي الله عنه: هذا الذي ذهب إليه أبو حاتم وضرباؤه من القراء من لزوم الاعتزال من الخاص، كما يلزمهم ذلك من العام أرادوا بذلك عند رياضة الأنفس على التصبر على الوحدة، وإيثار ضد الخلطة على المعاشرة; فإن المرء متى لم يأخذ نفسه بترك ما أبيح له فأنا خائف عليه الوقوع فيما حظر عليه. داود الطائي
وأما فهو ما عرفتهم به من وجود دفن الخير، ونشر الشر، يدفنون الحسنة، ويظهرون السيئة. فإن كان المرء عالما يدعوه، وإن كان جاهلا عيروه، وإن كان فوقهم حسدوه، وإن كان دونهم حقروه وإن نطق قالوا: مهذار، وإن سكت قالوا: عيي، وإن قدر قالوا: مقتر، وإن سمح قالوا: مبذر، فالنادم في العواقب، المحطوط عن المراتب، من اغتر بقوم هذا نعتهم، وغره ناس هذه صفتهم. السبب الذي يوجب الاعتزال عن العالم كافة:
ولقد أنبأنا محمد بن المهاجر المعدل أخبرني أحمد بن محمد بن بكر الأبناوي ، عن قال: حدثني داود بن رشيد، إبراهيم بن شماس قال: قال لي الأكاف حفص بن حميد صاحب ابن المبارك بمرو " يا إبراهيم، صحبت الناس خمسين سنة، فلم أجد أحدا ستر لي عورة، ولا وصلني إذا قطعته، ولا أمنته إذا غضب، فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير ".
[ ص: 84 ] وأنشدني محمد بن المهاجر المعدل لعلي بن حجر السعدي :
زمانك ذا زمان دخول بيت وحفظ للسان، وخفض صوت فقد مرجت عهود الناس إلا
أقلهم، فبادر قبل فوت فما يبقى على الأيام شيء
وما خلق امرؤ إلا لموت