[ ص: 349 ] وإذا علم العبد أن كلا من عند الله ، فالواجب . قال تعالى : إفراده سبحانه بالخشية والتقوى فلا تخشوا الناس واخشون [ المائدة : 44 ] . وإياي فارهبون [ البقرة : 40 ] . وإياي فاتقون [ البقرة : 41 ] . ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون [ النور : 52 ] . هو أهل التقوى وأهل المغفرة [ المدثر : 56 ] ، ونظائر هذا المعنى في القرآن كثيرة . ولا بد لكل عبد أن يتقي أشياء ، فإنه لا يعيش وحده ، ولو كان ملكا مطاعا فلا بد أن يتقي أشياء يراعي بها رعيته . فحينئذ فلا بد لكل إنسان أن يتقي ، فإن لم يتق الله اتقى المخلوق ، والخلق لا يتفق حبهم كلهم وبغضهم ، بل الذي يريده هذا يبغضه هذا ، فلا يمكن إرضاؤهم كلهم ، كما قال رضي الله عنه : رضا الناس غاية لا تدرك ، فعليك بالأمر الذي يصلحك فالزمه ، ودع ما سواه فلا تعانه . فإرضاء الخلق لا مقدور ولا مأمور ، وإرضاء الخالق مقدور ومأمور . الشافعي
وأيضا فالمخلوق لا يغني عنه من الله شيئا ، فإذا اتقى العبد ربه ، [ ص: 350 ] كفاه مئونة الناس . كما كتبت عائشة إلى معاوية - رضي الله عنهما - ، روي مرفوعا ، وروي موقوفا عليها : من أرضى الله بسخط الناس ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن أرضى الناس بسخط الله ، عاد حامده من الناس له ذاما . فمن أرضى الله كفاه مؤنة الناس ورضي عنه ، ثم فيما بعد يرضون ، إذ العاقبة للتقوى ، ويحبه الله فيحبه الناس . كما في ( ( الصحيحين ) ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : جبريل ، إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي [ ص: 351 ] جبريل في السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وقال في البغض مثل ذلك . إذا أحب الله العبد نادى : يا
فقد بين أنه لا بد لكل مخلوق من أن يتقي إما المخلوق ، وإما الخالق . ضررها راجح على نفعها من وجوه كثيرة ، وتقوى المخلوق هي التي يحصل بها سعادة الدنيا والآخرة ، فهو سبحانه أهل للتقوى ، وهو أيضا أهل للمغفرة ، فإنه هو الذي يغفر الذنوب ، لا يقدر مخلوق على أن يغفر الذنوب ويجير من عذابها غيره ، وهو الذي يجير ولا يجار عليه . قال بعض السلف : ما احتاج تقي قط ، لقوله تعالى : وتقوى الله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب فقد ضمن الله للمتقين أن يجعل لهم مخرجا مما يضيق على الناس ، وأن يرزقهم من حيث لا يحتسبون ، فإذا لم يحصل ذلك دل على أن في التقوى خللا ، فليستغفر الله وليتب إليه ، ثم قال تعالى : ومن يتوكل على الله فهو حسبه . [ الطلاق : 3 ] ، أي فهو كافيه ، لا يحوجه إلى غيره .