وقوله : ( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم . ونبغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم . ولا نذكرهم إلا بخير . وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ) .
ش : يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الروافض والنواصب . وقد أثنى الله تعالى على الصحابة هو ورسوله ، ورضي عنهم ، ووعدهم الحسنى .
كما قال تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم [ التوبة : 100 ] .
[ ص: 690 ] وقال تعالى : محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا [ الفتح : 29 ] إلى آخر السورة .
وقال تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة [ الفتح : 18 ] .
وقال تعالى : إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 72 ] . إلى آخر السورة .
وقال تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير [ الحديد : 10 ] .
وقال تعالى : للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم [ الحشر : 8 - 10 ] .
[ ص: 691 ] وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار ، وعلى الذين جاءوا من بعدهم ، يستغفرون لهم ، ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم ، وتتضمن أن هؤلاء هم المستحقون للفيء . فمن كان في قلبه غل للذين آمنوا ولم يستغفر لهم لا يستحق في الفيء نصيبا ، بنص القرآن . وفي الصحيحين رضي الله عنه ، قال : كان بين أبي سعيد الخدري وبين خالد بن الوليد شيء ، فسبه عبد الرحمن بن عوف خالد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أحدا من أصحابي ، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه . انفرد عن مسلم بذكر سب خالد لعبد الرحمن ، دون . البخاري
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لخالد ونحوه : لا تسبوا أصحابي ، يعني عبد الرحمن وأمثاله ، لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون ، وهم فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان ، وهم الذين [ ص: 692 ] أسلموا بعد الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا ، وهم أهل بيعة الرضوان ، الحديبية ، وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ، ومنهم وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامهم إلى فتح خالد بن الوليد ، مكة ، وسموا الطلقاء ، منهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية .
والمقصود أنه نهى من له صحبة آخرا أن يسب من له صحبة أولا ، لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه ، حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية ، وإن كان قبل فتح مكة فكيف حال من ليس من الصحابة بحال مع الصحابة ؟ رضي الله عنهم أجمعين .
والسابقون الأولون - من المهاجرين والأنصار - هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا ، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة .
وقيل : وهذا ضعيف . فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ، لأن النسخ ليس من فعلهم ، ولم يدل على التفضيل به دليل شرعي ، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة التي كانت تحت الشجرة . إن السابقين الأولين من صلى إلى القبلتين ،
وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم اهتديتم - فهو حديث ضعيف ، قال البزار : هذا حديث [ ص: 693 ] لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس هو في كتب الحديث المعتمدة .
وفي صحيح مسلم عن جابر ، قال : قيل لعائشة رضي الله عنها : إن ناسا يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أبا بكر وعمر ! فقالت : وما تعجبون من هذا ! انقطع عنهم العمل ، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر .
وروى بإسناد صحيح ، عن ابن بطة أنه قال : لا تسبوا أصحاب ابن عباس ، محمد صلى الله عليه وسلم ، فلمقام أحدهم ساعة - يعني مع [ ص: 694 ] النبي صلى الله عليه وسلم ، خير من عمل أحدكم أربعين سنة . وفي رواية : خير من عبادة أحدكم عمره . وكيع
وفي الصحيحين من حديث وغيره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عمران بن حصين خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، قال عمران : فلا أدري : أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ، الحديث .
[ ص: 695 ] وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة .
[ ص: 696 ] وقال تعالى : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة [ التوبة : 117 ] ، الآيات .
ولقد صدق رضي الله عنه في وصفهم ، حيث قال : إن الله نظر في قلوب العباد ، فوجد قلب عبد الله بن مسعود محمد خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه ، وابتعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء .
وفي رواية : وقد رأى أصحاب محمد جميعا أن يستخلفوا أبا بكر . وتقدم قول : من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات . . . إلخ ، عند قول الشيخ : ونتبع السنة والجماعة . ابن مسعود
فمن أضل ممن يكون في قلبه غل لخيار المؤمنين ، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين ؟ بل قد فضلتهم اليهود والنصارى بخصلة ، قيل لليهود : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب موسى ، وقيل للنصارى : من خير أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب عيسى ، وقيل للرافضة : من شر [ ص: 697 ] أهل ملتكم ؟ قالوا : أصحاب محمد ! ! لم يستثنوا منهم إلا القليل ، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة .
وقوله : ولا نفرط في حب أحد منهم - أي لا نتجاوز الحد في حب أحد منهم ، كما تفعل الشيعة ، فنكون من المعتدين . قال تعالى : ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم [ النساء : 171 ] .