قوله : ( ونؤمن بما جاء من كراماتهم ، وصح عن الثقات من رواياتهم ) .  
 [ ص: 746 ] ش :  المعجزة في اللغة   تعم كل خارق للعادة ، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين [ كالإمام   أحمد بن حنبل  وغيره ويسمونها الآيات ] . ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما ، فيجعلون المعجزة للنبي ، والكرامة للولي . وجماعهما : الأمر الخارق للعادة .  
فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة : العلم ، والقدرة ، والغنى . وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده ، فإنه الذي أحاط بكل شيء علما ، وهو على كل شيء قدير ، وهو غني عن العالمين . ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله :  قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي      [ الأنعام : 50 ] .  
وكذلك قال  نوح   عليه السلام ، فهذا أول أولي العزم ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، وهذا خاتم الرسل ، وخاتم أولي العزم ، وكلاهما تبرأ من ذلك ، وهذا لأنهم يطالبونهم :  
تارة بعلم الغيب ، كقوله تعالى :  يسألونك عن الساعة أيان مرساها      [ النازعات : 42 ]  
وتارة بالتأثير ، كقوله تعالى : "  وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا   الآيات [ الإسراء : 90 ] .  
وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية ، كقوله تعالى : "  وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق   الآية [ الفرقان : 7 ] .  
 [ ص: 747 ] فأمر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك ، وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ، فيعلم ما علمه الله إياه ، ويستغني عما أغناه عنه ، ويقدر على ما أقدره عليه من الأمور المخالفة للعادة المطردة ، أو لعادة أغلب الناس . فجميع  المعجزات والكرامات   ما تخرج عن هذه الأنواع .  
ثم الخارق : إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين ، كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا ، إما واجب أو مستحب ، وإن حصل به أمر مباح ، كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا ، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه ، كان سببا للعذاب أو البغض ، كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها :  بلعام بن باعورا ،  لاجتهاد أو تقليد ، أو نقص عقل أو علم ، أو غلبة حال ، أو عجز أو ضرورة .  
				
						
						
