ومما ينبغي التنبيه عليه هاهنا : أن : الفراسة ثلاثة أنواع
إيمانية ، وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده ، وحقيقتها أنها خاطر يهجم ، على القلب ، يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة ، ومنها اشتقاقها ، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان ، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة . قال رحمه الله : الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب ، وهي من مقامات الإيمان . انتهى . أبو سليمان الداراني
وفراسة رياضية ، وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي ، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها ، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ، ولا تدل على إيمان ، ولا على ولاية ، ولا تكشف عن حق نافع ، ولا عن طريق مستقيم ، بل [ ص: 754 ] كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبارة الرؤا والأطباء ونحوهم .
وفراسة خلقية ، وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم ، واستدلوا بالخلق على الخلق ، لما بينهما من الارتباط ، الذي اقتضته حكمة الله ، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل ، وبكبره على كبره ، وسعة الصدر على سعة الخلق ، وبضيقه على ضيقه ، وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه ، ونحو ذلك .