[ ص: 134 ] فإن قيل : يشكل على هذا قوله تعالى : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ( الأنعام : 48 ) ، الآية . وقوله تعالى : وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ( النحل : 35 ) ، الآية . وقوله تعالى : وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون ( الزخرف : 20 ) . فقد ذمهم الله تعالى حيث جعلوا الشرك كائنا منهم بمشيئة الله ، وكذلك إذ قال : ذم إبليس حيث أضاف الإغواء إلى الله تعالى ، رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ( الحجر : 39 ) .
قيل : قد أجيب على هذا بأجوبة ، من أحسنها : أنه أنكر عليهم ذلك لأنهم احتجوا بمشيئته على رضاه ومحبته ، وقالوا : لو كره ذلك وسخطه لما شاءه ، فجعلوا مشيئته دليل رضاه ، فرد الله عليهم ذلك . أو أنه أنكر عليهم اعتقادهم أن مشيئة الله دليل على أمره به . [ ص: 135 ] أو أنه أنكر عليهم معارضة شرعه وأمره الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه بقضائه وقدره ، فجعلوا المشيئة العامة دافعة للأمر ، فلم يذكروا المشيئة على جهة التوحيد ، وإنما ذكروها معارضين بها لأمره ، دافعين بها لشرعه ، كفعل الزنادقة ، والجهال إذا أمروا أو نهوا احتجوا بالقدر . وقد احتج سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر ، فقال : وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره . يشهد لذلك قوله تعالى في الآية : كذلك كذب الذين من قبلهم ( الأنعام : 148 ) . فعلم أن مرادهم التكذيب ، فهو من قبل الفعل ، من أين له أن الله لم يقدره ؟ أطلع الغيب ؟ !