ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب
قوله تعالى: ولقد فتنا سليمان أي: ابتليناه واختبرناه بسلب ملكه. قال أكثر المفسرين: تزوج سليمان عليه السلام امرأة من بنات الملوك، فعبدت الصنم في داره، ولم يعلم بذلك سليمان ، فامتحن بسبب غفلته كانت عن ذلك. قال في رواية ابن عباس عطاء ولقد فتنا سليمان : يريد بصخر، الشيطان الذي لم يكن سخر له، وكان شيطانا ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين، وكان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه وأقام أربعين يوما في مكانه، وسليمان هارب. وقال : إن شيطانا قال له مجاهد سليمان : كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه، وقعد الشيطان على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان ، فلم يقربهن، وكان سليمان يستطعم، فيقول: أتعرفونني؟ أطعموني، فيكذبونه، حتى أعطته امرأته يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه [ ص: 554 ] ملكه، فذلك قوله: وألقينا على كرسيه جسدا يعني الشيطان الذي كان على كرسيه يقضي بين الناس، "ثم أناب" رجع بعد أربعين يوما إلى ملكه.
[ ص: 555 ] فلما رجع قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال مقاتل : لا يكون، فاستجاب الله له ذلك فلم يكن لأحد بعده من الملك ما كان له. ، وأبو عبيدة
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد المنصوري ، أنا ، أنا علي بن عمر الحافظ الحسين بن إسماعيل المحاملي ، أنا ، أنا زياد بن أيوب شبابة ، أنا ، عن شعبة محمد بن زياد ، عن ، أبي هريرة سليمان عليه السلام وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله خاسئا، أو خائبا، إن الشيطان عرض لي، يفسد علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين، فذكرت قول رواه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه صلى صلاة فقال: ، عن البخاري إسحاق بن [ ص: 556 ] إبراهيم ، عن ، روح وغندر ، ورواه ، عن مسلم إسحاق بن منصور ، عن ، كلهم، عن النضر بن شميل ويدل على ما ذكرنا قوله: شعبة فسخرنا له الريح ولم نسخرها لأحد بعده ولا ملكها سواه، تجري بأمره رخاء لينة الهبوب ليست بالعاصفة، حيث أصاب أراد من النواحي، قال : إجماع أهل اللغة والمفسرين حيث أصاب، أي: حيث أراد من النواحي. قال الزجاج : وحقيقته حيث قصد، وقال الزجاج : العرب تقول: أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب، معناه أنه قصد الصواب وأراده فأخطأ مراده ولم يتعمد الخطأ. الأصمعي
والشياطين أي: وسخرنا له الشياطين، كل بناء يبنون له ما يشاء من محاريب وتماثيل، وغواص يغوصون في البحار يستخرجون له الدر من البحار.
وآخرين أي: وسخرنا له آخرين، يعني مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم في الأصفاد، وهو قوله: مقرنين في الأصفاد يقال: قرنهم في الحبال إذا كانوا جماعة كثيرة، والأصفاد الأغلال، واحدها صفد. قال : هي السلاسل من الحديد، وكل ما شددته شدا وثيقا بالحديد وغيره فقد صفدته. قال الزجاج أبو عبيد : يقال صفدت الرجل فهو مصفود، وأصفدته فهو مصفد.
هذا عطاؤنا أي: قلنا له هذا الملك، يعني ما سأل من قوله: وهب لي ملكا ، فامنن لمن الإحسان إلى من لا تستثيبه. قال ، عن عطاء : أعط من شئت وأمسك عمن شئت. بغير حساب لا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت. ابن عباس
قال : ما أنعم الله على أحد نعمة إلا عليه تبعة إلا الحسن سليمان ، فإن الله تعالى قال: هذا عطاؤنا الآية، إن أعطي أجر، وإن لم يعط لم يكن عليه [ ص: 557 ] تبعة.
قال : قوله: بغير حساب أي: بغير جزاء، يعني: أعطيناك تفضلا لا مجازاة، ثم أخبره بمنزلته في الآخرة، فقال: الزجاج وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب .