الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم  خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم  ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم  وقل اعملوا [ ص: 522 ] فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وآخرون أي: ومن أهل المدينة آخرون اعترفوا بذنوبهم أقروا بها عن معرفة، نزلت في قوم من المؤمنين كانوا تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةتبوك، ثم ندموا على ذلك وتذمموا، وقوله: خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا يعني: غزوهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقاعدهم عن غزوة تبوك، عسى الله واجب من الله، أن يتوب عليهم قال أبو عثمان النهدي: ما في القرآن آية أرجى لهذه الأمة من هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عمرو بن أبي عمرو، أنا أبو الهيثم المروزي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل البخاري، نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل بن إبراهيم، نا عوف، نا أبو رجاء، نا سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا، فذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة، قالا لي: إن هذه جنة عدن وهذا منزلك، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم".  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: خذ من أموالهم صدقة قال المفسرون: لما عذر رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء، قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا، وطهرنا، واستغفر لنا.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا ".

                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلث أموالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن: هذه الصدقة هي كفارة الذنوب  التي أصابوها، وليست بالزكاة المفروضة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عكرمة: هي صدقة الفرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تطهرهم قال ابن عباس: تطهرهم من الذنوب.

                                                                                                                                                                                                                                      وتزكيهم بها ترفعهم بهذه الصدقة، من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين، وصل عليهم أي: ادع لهم، إن صلاتك سكن لهم إن دعواتك مما تسكن نفوسهم إليه، وقال الكلبي: طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم، والله سميع لقولهم، عليم بندامتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يحيى، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر مطر، أنا أبو خليفة الجمحي، نا الحوضي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي أوفى، قال: كان أبي من أصحاب الشجرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: " اللهم صل على آل فلان " فأتاه أبي بصدقته، فقال: " اللهم صل على آل أبي أوفى "   .

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري، عن الحوضي، ورواه مسلم، عن وكيع كلاهما، عن شعبة [ ص: 523 ] ولما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين: هؤلاء كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم؟ فأنزل الله تعالى: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات يقبلها، وأن الله هو التواب الرحيم يرجع إلى من رجع إليه بالرحمة والمغفرة.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، نا محمد بن يعقوب بن يوسف، أنا الربيع، أنا الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: " والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبا، إلا كأنما يضعها في يد الرحمن، فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه، حتى إن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها كمثل الجبل العظيم " ثم قرأ أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات  قوله: وقل اعملوا قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: يا معشر عبادي المحسن والمسيء، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون يريد: إن الله يطلع المؤمنين على ما في قلوب إخوانهم من الخير والشر، إن كان خيرا أوقع في قلوبهم لهم المحبة، وإن كان شرا أوقع في قلوبهم لهم البغضة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن رجلا عمل في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائنا ما كان "   .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فينبئكم بما كنتم تعملون قال ابن عباس، رضي الله عنه: يقفكم على أعمالكم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية