الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الفجر

مكية، عددها ثلاثون آية كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

والفجر  وليال عشر  والشفع والوتر والليل إذا يسر  هل في ذلك قسم لذي حجر ألم تر كيف فعل ربك بعاد  إرم ذات العماد  التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد  وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد  فصب عليهم ربك سوط عذاب  إن ربك لبالمرصاد  

والفجر يعني غداة جمع يوم النحر وليال عشر فهي عشر ليال قبل الأضحى، وأما سماها الله، عز وجل، ليال عشر لأنها تسعة أيام وعشر ليال والشفع والوتر وأما الشفع فهو آدم وحواء، عليهما السلام، وأما الوتر فهو الله عز وجل والليل إذا يسر يعني إذا أقبل، وهي ليلة الأضحى فأقسم الله بيوم النحر، والعشر، وبآدم وحواء، وأقسم بنفسه، فلما فرغ منها، قال: هل في ذلك قسم لذي حجر يعني إن في ذلك القسم كفاية لذي اللب، يعني ذا العقل، فيعرف عظم هذا القسم، فأقسم الله إن ربك لبالمرصاد .

وأما قوله: ألم تر كيف فعل ربك بعاد يعني بقوم هود، وإنما سماهم قوم هود، لأن أباهم كان اسمه ابن سمل بن لمك بن سام بن نوح ، مثل ما تقول العرب ربيعة ومضر وخزاعة وسليم، وكذلك عاد وثمود، ثم ذكر قبيلة من قوم عاد، فقال: إرم وهي قبيلة من قبائلهم اسمها إرم، ثم قال: ذات العماد يعني ذات الأساطين، وهي أساطين الرهبانيين التي تكون في الفيافي والرمال، فشبه الله عز وجل طولهم إذ كانوا قياما في البرية بأنه مثل العماد، وكان طول أحدهم ثمانية عشر ذراعا، ويقال: اثنى عشر ذراعا في السماء مثل أعظم أسطوانة تكون، قال: التي لم يخلق مثلها في البلاد يقول: ما خلق الله عز وجل مثل قوم عاد في الآدميين، ولا مثل إرم في قوم عاد.

[ ص: 482 ] ثم ذكر ثمود، فقال: وثمود وهو أبوهم، وبذلك سماهم، وهم قوم صالح، فقال: الذين جابوا الصخر بالواد يقول: الذين نقبوا الصخر بالوادي، وذلك أنهم كانوا يعمدون إلى أعظم جبل فيثقبونه، فيجعلونه بيتا، ويجعلون بابه منها، وغلقه منها، فذلك قوله: وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ، ثم ذكر فرعون واسمه مصعب بن جبر ، ويقال: الوليد بن مصعب ، فقال: وفرعون ذي الأوتاد وذلك أنه أوثق الماشطة على أربع قوائم مستلقية، ثم سرح عليها الحيات والعقارب، فلم يزلن يلسعنها ويلدغنها، ويدخلون من قبلها ويخرجون من فيها حتى ذابت كما يذوب الرصاص، لأنه تكلمت بالتوحيد، وذلك أنها كانت تمشط هيجل بنت فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله وخيبة لمن كفر بالله، فقالت ابنة فرعون: وأي إله هذا الذي تذكرين ؟ قالت: إله موسى ، فذهبت فأخبرت أباها، فكان من أمرها ما كان، فذلك قوله: وفرعون ذي الأوتاد يقول: إنه أوثق امرأة على أربع قوائم من أجل أنها عرفتني.

ثم جمع عادا وثمود وفرعون، فقال: الذين طغوا في البلاد يعني الذين عملوا فيها بالمعاصي فأكثروا فيها الفساد يقول: فأكثروا فيها المعاصي، فلما كثرت معصيتهم فصب عليهم ربك سوط عذاب يعني نقمته وكانت نقمته عذابا، ثم رجع إلى قسمه الأول، فقال: إن ربك لبالمرصاد يعني بالصراط، وذلك أن جهنم عليها سبع قناطر،  كل قنطرة مسيرة سبعين عاما، على كل قنطرة ملائكة قيام، وجوههم مثل الجمر، وأعينهم مثل البرق، بأيديهم المحاسر والمحاجن، والكلاليب يسألون في أول قنطرة عن الإيمان، وفي الثانية يسألون عن الصلوات الخمس، وفي الثالثة يسألون عن الزكاة، وفي الرابعة يسألون عن صوم رمضان، وفي الخامسة يسألون عن حج البيت، وفي السادسة يسألون عن العمرة، وفي السابعة يسألون عن مظالم الناس، فذلك قوله: إن ربك لبالمرصاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية