الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون  وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون  أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

[ ص: 304 ] قوله سبحانه: وأنزلنا إليك الكتاب يا محمد صلى الله عليه وسلم، بالحق ، يعني القرآن بالحق، لم ننزله عبثا ولا باطلا لغير شيء، مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ، يقول: وشاهدا عليه، وذلك أن قرآن محمد صلى الله عليه وسلم شاهد بأن الكتب التي أنزلت قبله أنها من الله عز وجل، فاحكم بينهم بما أنزل الله إليك في القرآن، ولا تتبع أهواءهم ، يعني أهواء اليهود، عما جاءك من الحق ، وهو القرآن، لكل جعلنا منكم شرعة ، يعني من المسلمين وأهل الكتاب، شرعة ، يعني سنة، ومنهاجا ، يعني طريقا وسبيلا، فشريعة أهل التوراة في قتل العمد القصاص ليس لهم عقل ولا دية، والرجم على المحصن والمحصنة إذا زنيا.

وشريعة الإنجيل في القتل العمد العفو، ليس لهم قصاص ولا دية،
 وشريعتهم في الزنا، الجلد بلا رجم، وشريعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم في قتل العمد القصاص والدية والعفو، وشريعتهم في الزنا إذا لم يحصن الجلد، فإذا أحصن فالرجم، ولو شاء الله لجعلكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب، أمة واحدة على دين الإسلام وحدها، ولكن ليبلوكم ، يعني يبتليكم في ما آتاكم ، يعني فيما أعطاكم من الكتاب والسنة من يطع الله عز وجل فيما أمر ونهى، ومن يعصه فاستبقوا الخيرات ، يقول: سارعوا في الأعمال الصالحة يا أمة محمد، فيما ذكر من السبيل والسنة، إلى الله مرجعكم جميعا في الآخرة أنتم وأهل الكتاب، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون في الدين.

قوله سبحانه: وأن احكم بينهم بما أنزل الله إليك في الكتاب، يعني بين اليهود، وذلك أن قوما من رءوس اليهود من أهل النضير اختلفوا، فقال: بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه، فإنما هو بشر إذن فيستمع، فأتوه فقالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل، فإن فعلت، فإنا نبايعك ونطيعك، وإنا إذا بايعناك تابعك أهل الكتاب كلهم ; لأنا سادتهم وأحبارهم، فنحن نفتنهم وننزلهم عما هم عليه حتى يدخلوا في دينك.

فأنزل الله عز وجل يحذر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ولا تتبع أهواءهم في أمر الدماء، واحذرهم أن يفتنوك ، يعني أن يصدوك، عن بعض ما أنزل الله إليك من أمر [ ص: 305 ] الدماء بالسوية، فإن تولوا ، يقول: فإن أبوا حكمك، فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ، يعني أن يعذبهم في الدنيا بالقتل والجلاء من المدينة إلى الشام، ببعض ذنوبهم ، يعني ببعض الدماء التي كانت بينهم من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كثيرا من الناس ، يعني رءوس اليهود، لفاسقون ، يعني لعاصون حين كرهوا حكم النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدماء بالحق.

فقال كعب بن الأشرف ، ومالك بن الضيف ، وكعب بن أسيد ، للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نرضى بحكمك، فأنزل الله عز وجل: أفحكم الجاهلية يبغون ، الذي كانوا عليه من الجور من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أحسن من الله حكما ، يقول: فلا أحد أحسن من الله حكما، لقوم يوقنون بالله عز وجل.

التالي السابق


الخدمات العلمية