الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم  إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون  ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون  يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين  

قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ، وذلك حين هزموا يوم أحد، شك أناس من المسلمين، فقالوا ما قالوا، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، فارتد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو تميم، وبنو حنيفة، وبنو أسد، وغطفان، وأناس من كندة، منهم الأشعث بن قيس ، فجاء الله عز وجل بخير من الذين ارتدوا، بوهب بطن من كندة، وبأحمس بجيلة، وحضرموت، وطائفة من حمير وهمذان، أبدلهم مكان الكافرين.

ثم نعتهم، فقال سبحانه: أذلة على المؤمنين بالرحمة واللين، أعزة على الكافرين ، [ ص: 307 ] يعني عليهم بالغلظة والشدة، فسدد الله عز وجل بهم الدين، يجاهدون في سبيل الله العدو، يعني في طاعة الله، ولا يخافون لومة لائم ، يقول: ولا يبالون غضب من غضب عليهم، ذلك فضل الله ، يعني دين الإسلام، يؤتيه من يشاء والله واسع لذلك الفضل، عليم لمن يؤتي الإسلام، وفيهم نزلت وفي الإبدال: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .

وقوله سبحانه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، وذلك أن عبد الله بن سلام وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم عند صلاة الأولى: إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل الإسلام، ولا يكلموننا، ولا يخالطوننا في شيء، ومنازلنا فيهم، ولا نجد متحدثا دون هذا المسجد، فنزلت هذه الآية، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وجعل الناس يصلون تطوعا بعد المكتوبة، وذلك في صلاة الأولى.

وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى باب المسجد، فإذا هو بمسكين قد خرج من المسجد، وهو يحمد الله عز وجل، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " هل أعطاك أحد شيئا؟ "، قال: نعم يا نبي الله، قال: " من أعطاك؟ "، قال: الرجل القائم أعطاني خاتمه، يعني علي بن أبي طالب ، رضوان الله عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " على أي حال أعطاكه؟ "، قال: أعطاني وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: " الحمد لله الذي خص عليا بهذه الكرامة "،  فأنزل الله عز وجل: والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ، يعني علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه، فإن حزب الله هم الغالبون ، يعني شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، فبدأ بعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنه، قبل المسلمين، ثم جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين، فيهم عبد الله بن سلام وغيره هم الغالبون لليهود، حين قتلوهم وأجلوهم من المدينة إلى الشام وأذرعات وأريحا.

قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا ، يعني المنافقين الذين أقروا باللسان وليس الإيمان في قلوبهم، لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم الإسلام هزوا ولعبا ، يعني استهزاء وباطلا، وذلك أن المنافقين كانوا يوالون اليهود فيتخذونهم أولياء، قال: من الذين أوتوا الكتاب ، يعني اليهود، من قبلكم ; لأنهم أعطوا التوراة قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، [ ص: 308 ] يقول: لا تتخذوهم أولياء، "و" لا تتخذوا والكفار أولياء ، يعني كفار اليهود ومشركي العرب، ثم حذرهم، فقال: واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ، يعني إن كنتم مصدقين، فلا تتخذوهم أولياء، يعني كفار العرب، حين قال عبد الله بن أبي ، وعبد الله بن نتيل ، وأبو لبابة ، وغيرهم من اليهود: لئن أخرجتم لنخرجن معكم، حين كتبوا إليهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية