وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون
ثم أخبر عن اليهود، فقال سبحانه: وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ، يعني استهزاء وباطلا، وذلك أن اليهود كانوا إذا سمعوا الأذان، ورأوا المسلمين قاموا إلى صلاتهم، يقولون: قد قاموا لا قاموا، وإذا رأوهم ركعوا، قالوا: لا ركعوا، وإذا رأوهم سجدوا ضحكوا، وقالوا: لا سجدوا، واستهزءوا، يقول الله تعالى: ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ، يقول: لو عقلوا ما قالوا هذه المقالة.
قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ، قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أبو ياسر ، وحيي بن أخطب ، ونافع بن أبي نافع ، وعازر بن أبي عازر ، وخالد ، وزيد ابنا عمرو ، وأزر بن أبي أزر ، وأشيع ، فسألوه عن من يؤمن به من الرسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نؤمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون "، فلما ذكر عيسى ابن مريم جحدوا نبوته صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن به، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله ، [ ص: 309 ] يعني صدقنا بالله بأنه واحد لا شريك له، " و" صدقنا بـ (ما أنزل إلينا) ، يعني قرآن محمد صلى الله عليه وسلم، " و" صدقنا بـ وما أنزل من قبل قرآن محمد صلى الله عليه وسلم، الكتب التي أنزلها الله عز وجل على الأنبياء، عليهم السلام، وأن أكثركم فاسقون ، يعني عصاة.
قالت اليهود للمؤمنين، ما نعلم أحدا من أهل هذه الأديان أقل حظا في الدنيا والآخرة منكم، فأنزل الله عز وجل: قل هل أنبئكم بشر من ذلك ، يعني المؤمنين، مثوبة عند الله ، يعني ثوابا من عند الله، قالت اليهود: من هم يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم وغضب عليه، من لعنه الله ، وهم اليهود وغضب عليه ، فإن لم يقتل أقر بالخراج وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير ، القردة في شأن الحيتان، والخنازير في شأن المائدة، وعبد الطاغوت ، فيها تقديم، وعبد الطاغوت ، يعني ومن عبد الطاغوت، وهو الشيطان، أولئك شر مكانا في الدنيا، يعني شر منزلة، وأضل عن سواء السبيل ، يعني وأخطأ عن قصد الطريق من المؤمنين.
فلما نزلت هذه الآية، عيرت اليهود، فقالوا لهم: يا إخوان القردة والخنازير، فنكسوا رءوسهم وفضحهم الله تعالى، وجاء أبو ياسر بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، وعازر بن أبي عازر ، ونافع بن أبي نافع ، ورافع بن أبي حريملة ، وهم رؤساء اليهود، حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد صدقنا بك يا محمد ; لأنا نعرفك ونصدقك ونؤمن بك.
ثم خرجوا من عنده بالكفر، غير أنهم أظهروا الإيمان، فأنزل الله عز وجل فيهم: وإذا جاءوكم اليهود قالوا آمنا ، يعني صدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ; لأنهم دخلوا عليه وهم يسرون الكفر، وخرجوا من عنده بالكفر، فذلك قوله سبحانه: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به يعني بالكفر مقيمين عليه، والله أعلم بما كانوا يكتمون ، يعني بما يسرون في قلوبهم من الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، نظيرها في آل عمران.
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم ، يعني المعصية، [ ص: 310 ] والعدوان ، يعني الظلم، وهو الشرك، وأكلهم السحت ، يعني كعب بن الأشرف ; لأنه كان يرشى في الحكم ويقضي بالجور، لبئس ما كانوا يعملون ، ثم عاتب الله عز وجل الربانيين والأحبار، فقال: لولا ، يعني فهلا ينهاهم الربانيون والأحبار ، يعني بالربانيين المتعبدين والأحبار، يعني القراء الفقهاء أصحاب القربان من ولد هارون، عليه السلام، وكانوا رءوس اليهود، عن قولهم الإثم ، يعني الشرك، وأكلهم السحت ، يعني الرشوة في الحكم، لبئس ما كانوا يصنعون ، حين لم ينهوهم، فعاب من أكل السحت: الرشوة في الحكم، وعاب الربانيين الذين لم ينهوهم عن أكله.