الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون  لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون  وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون  لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار  لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم  أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم  

قوله سبحانه: إن الذين آمنوا ، يعني الذين صدقوا، والذين هادوا ، يعني [ ص: 313 ] اليهود، والصابئون ، هم قوم من النصارى صبأوا إلى دين نوح وفارقوا هذه الفرق الثلاث، وزعموا أنهم على دين نوح، عليه السلام، وأخطأوا ; لأن دين نوح، عليه السلام، كان على دين الإسلام، والنصارى ، إنما سموا نصارى ; لأنهم ابتدعوا هذا الدين بقرية تسمى ناصرة، قال الله عز وجل: من آمن من هؤلاء بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ، وأدى الفرائض من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فله الجنة، ومن بقي منهم إلى أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلا إيمان له، إلا أن يصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم، فمن صدق بالله عز وجل أنه واحد لا شريك له، وبما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، فلا خوف عليهم من العذاب، ولا هم يحزنون من الموت.

قوله سبحانه: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل في التوراة على أن يعملوا بما فيها، وأرسلنا إليهم رسلا ، يعني وأرسل الله تعالى إليهم رسلا، كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ، يعني اليهود، فريقا كذبوا ، يعني اليهود، فريقا كذبوا عيسى صلى الله عليه وسلم ومحمدا صلى الله عليه وسلم، وفريقا يقتلون ، يعني اليهود، كذبوا بطائفة من الرسل، وقتلوا طائفة من الرسل، يعني زكريا، ويحيى في بني إسرائيل.

قوله عز وجل: وحسبوا ألا تكون فتنة ، يعني اليهود، حسبوا ألا يكون شرك ولا يبتلوا ولا يعاقبوا بتكذيبهم الرسل وبقتلهم الأنبياء، أن لا يبتلوا بالبلاء والشدة من قحط المطر، فعموا عن الحق، فلم يبصروه، وصموا عن الحق، فلم يسمعوه، ثم تاب الله عليهم ، يقول: تجاوز عنهم، فرفع عنهم البلاء، فلم يتوبوا بعد رفع البلاء، ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون من قتلهم الأنبياء وتكذيبهم الرسل.

قوله عز وجل: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ، نزلت في نصارى نجران الماريعقوبيين، منهم السيد والعاقب وغيرهما، قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ، يعني وحدوا الله ربي وربكم، إنه من يشرك بالله ، فيقول: إن الله هو المسيح ابن مريم، فيموت على الشرك، فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين ، يعني وما [ ص: 314 ] للمشركين من أنصار ، يعني من مانع يمنعهم من النار.

لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، يعني الملكانيين، قالوا: الله والمسيح ومريم، يقول الله عز وجل تكذيبا لقولهم: وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون من الشرك ليمسن ، يعني ليصيبن الذين كفروا منهم عذاب أليم ، يعني وجيعا، والقتل بالسيف، والجزية على من بقي منهم عقوبة.

50 ثم قال سبحانه يعيبهم: أفلا يتوبون إلى الله ، يعني أفهلا يتوبون إلى الله، ويستغفرونه من الشرك، فإن فعلوا غفر لهم، والله غفور لذنوبهم رحيم بهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية