الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين  وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون  

وإذ استسقى موسى لقومه ، وهم في التيه، قالوا: من أين لنا شراب نشرب؟ فدعا موسى، عليه السلام، ربه أن يسقيهم، فأوحى الله عز وجل إلى موسى، عليه السلام: فقلنا اضرب بعصاك الحجر ، وكان الحجر خفيفا مربعا، فضربه، فانفجرت منه من الحجر اثنتا عشرة عينا ، فرووا بإذن الله عز وجل، وكانوا اثنى عشر سبطا، لكل سبط من بني إسرائيل عين تجري على حدة، لا يخالطهم غيرهم، فذلك قوله سبحانه: قد علم كل أناس مشربهم ، يعني كل سبط مشربهم، يقول الله عز وجل: كلوا من المن والسلوى، واشربوا من العيون، وهو من رزق الله حلالا طيبا، فذلك قوله سبحانه: كلوا من طيبات ما رزقناكم ، ولا تعثوا في الأرض ، يقول: لا تعلوا ولا تسعوا في الأرض مفسدين ، يقول: لا تعملوا في الأرض بالمعاصي، فرفعوا من المن والسلوى لغد، فذلك قوله سبحانه: ولا تطغوا فيه ، يقول: لا ترفعوا منه لغد، وكان موسى صلى الله عليه وسلم إذا ظعن حمل الحجر معه، وتنصب العيون منه.

ثم إنهم قالوا: يا موسى، فأين اللباس؟ فجعلت الثياب تطول مع أولادهم، وتبقى على كبارهم، ولا تمزق ولا تبلى ولا تدنس، وكان لهم عمود من نور يضئ لهم بالليل إذا ارتحلوا وغاب القمر، فلما طال عليهم المن والسلوى، سألوا موسى نبات الأرض، [ ص: 53 ] فذلك قوله عز وجل: وإذ قلتم يا موسى في التيه لن نصبر على طعام واحد ، يعني المن والسلوى، فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ، يعني الثوم، وعدسها وبصلها ، فغضب موسى، عليه السلام، قال أتستبدلون الذي هو أدنى ، يقول: الذي هو دون المن والسلوى من نبات الأرض بالذي هو خير ، يعني المن والسلوى، فقال موسى: اهبطوا مصرا من الأمصار، فإن لكم ما سألتم من نبات الأرض، وضربت عليهم الذلة ، يعني على اليهود الذلة، وهي الجزية، والمسكنة ، يعني الفقر، وباءوا بغضب من الله ، يعني استوجبوا غضب الله عز وجل، ذلك الذل والمسكنة الذي نزل بهم بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ، يعني القرآن، ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون في أديانهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية