وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا
وإن كادوا ليفتنونك ، يعني ثقيفا، يقول: وقد كادوا أن يفتنوك، يعني قد هموا [ ص: 267 ] أن يصدوك، عن الذي أوحينا إليك ، كقوله سبحانه في المائدة: واحذرهم أن يفتنوك ، يعني يصدوك، عن بعض ما أنزل الله إليك ، وذلك أن ثقيفا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن إخوانك، وأصهارك، وجيرانك، ونحن خير أهل نجد لك سلما، وأضره عليك حربا، فإن نسلم تسلم نجد كلها، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا، فأعطنا الذي نريد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما تريدون ؟ "، قالوا نسلم على ألا تجش، ولا نعش، ولا نحني، يقولون: على ألا نصلي، ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وكل ربا لنا على الناس فهو لنا، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة ، وصيده وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلا، وعلى الأحلاف رجلا، وأن تمتعنا باللات والعزى سنة، ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما قولكم: لا تجشي، ولا نعشي، والربا، فلكم، وأما قولكم: لا نحني، فإنه قالوا: نفعل ذلك، وإن كان علينا فيه دناءة، " وأما قولكم: لا نكسر أصنامنا بأيدينا، فإنا سنأمر من يكسرها غيركم "، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تمتعنا باللات سنة، فأعرض عنهم، وجعل يكره أن يقول: لا، فيأبون الإسلام، فقالت لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود "، ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم: إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة.
فقال ، رضي الله عنه، عند ذلك: أحرقتم قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر اللات، أحرق الله أكبادكم، لا، ولا ونعمة، غير أن الله عز وجل لا يدع الشرك في أرض يعبد الله تعالى فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس، وإما أن تلحقوا بأرضكم، فأنزل الله عز وجل: عمر بن الخطاب وإن كادوا ليفتنونك ، يقول: وإن كادوا ليصدونك، عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ، يقول سبحانه: لتقول علينا غيره ما لم نقل؛ لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: قل إن الله أمرني أن أقرها، وإذا لاتخذوك خليلا ، يعني محبا، نظيرها في الفرقان: فلانا خليلا ، يعني محبا، لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذا لأحبوك.
ولولا أن ثبتناك يا محمد بالسكوت، فأمرت بكسر الآلهة، إذا لركنت إلى المعصية، لقد كدت تركن ، تقول: لقد هممت سويعة أن تميل، [ ص: 268 ] إليهم شيئا قليلا ، يعني أمرا يسيرا، يقول: لقد هممت سويعة، كقوله: فتولى بركنه ، يعني بميله أمرا يسيرا.
يقول: لقد هممت سويعة أن تميل إليهم، ولو أطعتهم فيما سألوك، إذا لأذقناك العذاب في الدنيا والآخرة، فذلك قوله سبحانه: إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ، يقول سبحانه: إذا لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا في حياتك، وفي مماتك بعد، ثم لا تجد لك علينا نصيرا ، يعني مانعا يمنعك منا.