لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا
[ ص: 42 ] ثم قال عز وجل : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أن كسرت رباعيته وجرح فوق حاجبه وقتل عمه واساكم بنفسه في مواطن الحرب والشدة حمزة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر يعني لمن كان يخشى الله عز وجل يخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال وذكر الله كثيرا ثم نعت المؤمنين فقال : ولما رأى المؤمنون الأحزاب يوم الخندق ، وأصحابه وأصابهم الجهد وشدة القتال أبا سفيان قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله في البقرة حين قال : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب .
وقالوا : وصدق الله ورسوله ما قال في سورة البقرة ، يقول الله عز وجل : وما زادهم الجهد والبلاء في الخندق إلا إيمانا يعني تصديقا بوعد الله عز وجل في سورة البقرة أنه يبتليهم وتسليما لأمر الله وقضائه ، ثم نعت المؤمنين فقال : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليلة العقبة بمكة فمنهم من قضى نحبه يعني أجله فمات على الوفاء يعني وأصحابه قتلوا يوم حمزة أحد ، رضي الله عنهم ، ومنهم من ينتظر يعني المؤمنين من ينتظر أجله على الوفاء بالعهد وما بدلوا العهد تبديلا كما بدل المنافقون ، ثم قال : ليجزي الله بالإيمان والتسليم الصادقين بوفاء العهد بصدقهم ويعذب المنافقين بنقض العهد إن شاء أو يتوب عليهم فيهديهم من النفاق إلى الإيمان إن الله كان غفورا رحيما يقول : الله عز وجل : ورد الله الذين كفروا بغيظهم يعني وجموعه من الأحزاب بغيظهم أبا سفيان لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا في ملكه عزيزا في حكمه ، ثم ذكر يهود أهل قريظة حيي بن أخطب ومن معه الذين أعانوا المشركين يوم الخندق على قتال النبي صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل [ ص: 43 ] وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم يعني أعانوهم ، يعني اليهود أعانوا المشركين على قتال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن الله عز وجل حين هزم المشركين عن الخندق بالريح والملائكة أتى جبريل عليه السلام على فرس ، فقال صلى الله عليه وسلم يا جبريل ، ما هذا الغبار على وجه الفرس ؟ فقال : هذا الغبار من الريح التي أرسلها الله على ومن معه ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه الفرس وعن سرجه ، فقال له أبي سفيان جبريل عليه السلام : سر إلى بني قريظة فإن الله عز وجل دقهم لك دق البيض على الصفا.
فسار النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني قريظة فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأنصاري فحكم عليهم سعد أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال : لقد حكم الله عز وجل ولقد رضي الله على عرشه بحكم سعد ، وذلك أن جبريل كان قال للنبي صلى الله عليه وسلم : سر إلى بني قريظة فاقتل مقاتلتهم واسب ذراريهم فإن الله عز وجل قد أذن لك فهم لك طعمة ، فذلك قوله عز وجل : وأنزل الذين ظاهروهم يعني اليهود أعانوا أبا سفيان من أهل الكتاب يعني قريظة من صياصيهم يعني من حصونهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا يعني طائفة تقتلون فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلا وتأسرون فريقا يعني وتسبون طائفة سبعمائة وخمسين وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها يعني خيبر وكان الله على كل شيء من القرى وغيرها قديرا أن يفتحها على المسلمين.
فقال ، رضي الله عنه ، ألا تخمس كما خمست يوم عمر بن الخطاب بدر ، قال : هذا جعله الله لي دون المؤمنين ، فقال عمر ، رضي الله عنه : رضينا وسلمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم في أهله منها عشرين رأسا ، ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم بقيته نصفين فبعث النصف مع إلى سعد بن عبادة الأنصاري الشام وبعث بالنصف الباقي مع أوس بن قيظي من الأنصار إلى غطفان وأمرهما أن يبتاعا الخيل فجلبا خيلا عظيمة فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين ، وتوفي ، رضي الله عنه ، من رمية أصابت أكحله يوم الخندق فانتقضت جراحته فنزفت الدم فمات رحمه الله وقد أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم ، فاتبع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون جنازته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " ، رضي الله عنه. سعد بن معاذ
[ ص: 44 ]