الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن  وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن  كلا بل لا تكرمون اليتيم  ولا تحاضون على طعام المسكين  وتأكلون التراث أكلا لما  وتحبون المال حبا جما  كلا إذا دكت الأرض دكا دكا  وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى  يقول يا ليتني قدمت لحياتي  فيومئذ لا يعذب عذابه أحد  ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة  ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي



                                                                                                                                                                                                                                      فأما الإنسان وهو المشرك إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه أي : وسع عليه من الدنيا فيقول ربي أكرمن أي : فضلني وأما إذا ما ابتلاه فقدر فقتر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا قال الحسن : أكذبهما جميعا بقوله : كلا ومعناها : لا ، أي : لا بالغنى أكرمت ، ولا بالفقر أهنت .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : ذكر ابن مجاهد أن قراءة نافع (أكرمني) (وأهانني) بياء في الوصل . بل لا تكرمون اليتيم يقوله للمشركين (ولا تحضون على طعام المسكين) [ ص: 129 ] وذلك أن المشركين كانوا يقولون : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وتأكلون التراث أكلا لما أي : لا تبالون من حرام أو حلال .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : لما شديدا ، وهو من قولك : لممت الشيء إذا جمعته ، والتراث أصله الوراث من : ورثت ، التاء فيه منقلبة عن واو ، يقال : إنه أراد تراث اليتامى .

                                                                                                                                                                                                                                      وتحبون المال حبا جما كثيرا كلا إذا دكت الأرض دكا دكا أي : صارت مستوية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : معنى (دكت) : دقت جبالها وأنشازها حتى استوت .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء ربك والملك صفا صفا تفسير السدي : يعني : صفوف الملائكة كل أهل سماء على حدة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : وحدثني رجل من أهل الكوفة ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب قال : " إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم العكاظي ، ثم يحشر الله فيها الخلائق من الجن والإنس ، ثم أخذوا مصافهم من الأرض ، ثم ينزل أهل السماء الدنيا بمثل من في الأرض ، وبمثلهم معهم من الجن والإنس ، حتى إذا كانوا على رءوس الخلائق أضاءت الأرض لوجوههم ، وخر أهل الأرض ساجدين ، وقالوا : أفيكم ربنا ؟ ! قالوا : ليس فينا وهو آت . ثم أخذوا مصافهم من الأرض ، ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثل من في الأرض من الجن والإنس [ ص: 130 ] والملائكة الذين نزلوا قبلهم ومثلهم معهم حتى إذا كانوا مكان أصحابهم أضاءت الأرض لوجوههم ، وخر أهل الأرض ساجدين وقالوا : أفيكم ربنا ؟ ! قالوا : ليس فينا وهو آت . ثم أخذوا مصافهم من الأرض ، ثم ينزل أهل السماء الثالثة بمثل من في الأرض من الجن والإنس والملائكة الذين نزلوا قبلهم ومثلهم معهم ، حتى إذا كانوا مكان أصحابهم أضاءت الأرض لوجوههم ، وخر أهل الأرض ساجدين وقالوا : أفيكم ربنا ؟ ! قالوا : ليس فينا وهو آت ، وينزل أهل السماء الرابعة على قدرهم من التضعيف ، ثم ينزل أهل السماء الخامسة على قدر ذلك من التضعيف ، ثم ينزل أهل السماء السادسة على قدر ذلك من التضعيف ، ثم ينزل أهل السماء السابعة على قدر ذلك من التضعيف ، حتى ينزل الجبار -تبارك وتعالى- قال : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية تحمله الملائكة على كواهلها بأيد وقوة وحسن وجمال ، حتى إذا جلس على كرسيه ونادى بصوته لمن الملك اليوم فلا يجيبه أحد ؛ فيرد على نفسه لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 131 ] وقوله : وجيء يومئذ بجهنم يحيى : عن أبان بن أبي عياش ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : " يجيء الرب يوم القيامة في ملائكة السماء السابعة وهم الكروبيون لا يعلم عددهم إلا الله ، فيؤتى بالجنة مفتحة أبوابها يراها كل بر وفاجر عليها ملائكة الرحمة ، حتى توضع عن يمين العرش فيوجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام ،  قال : ويؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام ، يقود كل زمام سبعون ألف ملك مصفدة أبوابها عليها ملائكة سود معهم السلاسل الطوال والأنكال الثقال وسرابيل القطران ومقطعات النيران ، لأعينهم لمع كالبرق ، ولوجوههم لهب كالنار ، شاخصة أبصارهم لا ينظرون إلى ذي العرش تعظيما له ، فإذا أدنيت النار ، فكان بينها وبين الخلائق مسيرة خمسمائة عام زفرت زفرة ، لم يبق أحد إلا جثا على ركبتيه وأخذته الرعدة وصار قلبه معلقا في حنجرته ، فلا يخرج ولا يرجع إلى مكانه ،  وذلك قوله : إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين [ ص: 132 ] فينادي إبراهيم : رب لا تهلكني بخطيئتي ، وينادي نوح ويونس ، وتوضع النار عن يسار العرش ، ثم يؤتى بالميزان فيوضع بين يدي الجبار -تبارك وتعالى- ثم يدعى الخلائق للحساب " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : يومئذ يتذكر الإنسان أي : يتوب ، وهو المشرك وأنى له الذكرى أي : وكيف له التوبة ، وهي لا تقبل يوم القيامة ؟ ! يقول يا ليتني قدمت في الدنيا لحياتي بعد الموت ، يتمنى لو آمن في الدنيا فيحيا في الجنة فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يقول : لا يعذب عذاب الله أحد ، ولا يوثق وثاق الله أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيتها النفس المطمئنة وهو المؤمن نفسه مطمئنة آمنة ارجعي إلى ربك راضية قد رضيت الثواب مرضية قد رضي عنك فادخلي في عبادي تفسير السدي مع عبادي وادخلي جنتي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 133 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية