الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا  فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا  قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما  قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا  قال إنك لن تستطيع معي صبرا  وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا  قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا  فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا  قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا  قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا  

                                                                                                                                                                                                                                      فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله يعني : الحوت في البحر سربا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : سربا يعني : مذهبا ومسلكا ؛ وهو مصدر ، المعنى : نسيا حوتهما ؛ فجعل الحوت طريقه في البحر ، ثم بين كيف ذلك ، فكأنه قال : سرب يسرب سربا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 73 ] قال يحيى : ذكر لنا أن موسى لما قطع البحر وأنجاه الله من آل فرعون  جمع بني إسرائيل فخطبهم ، فقال : أنتم اليوم خير أهل الأرض وأعلمهم ، قد أهلك الله عدوكم ، وأقطعكم البحر ، وأنزل عليكم التوراة ، قال : فقيل له : إن ها هنا رجلا هو أعلم منك ، فانطلق هو وفتاه يوشع يطلبانه ، وتزودا سمكة مملوحة في مكتل لهما ، وقيل لهما : إذا نسيتما بعض ما معكما لقيتما رجلا عالما يقال له : خضر .  

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : وذكر بعضهم أن موسى وفتاه لما أويا إلى الصخرة على ساحل البحر ، باتا فيها ، وكان عندها عين ماء ، فأكلا نصف الحوت وبقي نصفه ، فأدنى فتاه المكتل من العين ، فأصاب الماء الحوت ، فعاد فانسرب ، ودخل في البحر ، ومضى موسى وفتاه فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا أي : شدة قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت واتخذ سبيله في البحر عجبا موسى تعجب من أثر الحوت في البحر (قال ذلك ما كنا نبغي) أي : ذلك حيث أمرت أن أجد خضرا .

                                                                                                                                                                                                                                      فارتدا على آثارهما قصصا أي : رجعا حتى أتيا الصخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : المعنى : رجعا في الطريق الذي سلكاه ، يقصان الأثر قصصا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : فاتبعا الأثر في البحر ، وكان الحوت حيث مر جعل يضرب بذنبه يمينا وشمالا في البحر ، فجعل كل شيء يضربه الحوت بذنبه ييبس ، فصار كهيئة طريق في البحر ، فاتبعا أثره ، حتى إذا خرجا إلى جزيرة فإذا هما بالخضر في [ ص: 74 ] روضة يصلي ، فأتياه من خلفه ، فسلم عليه موسى ، فأنكر الخضر التسليم في ذلك الموضع ، فرفع رأسه فإذا هو بموسى فعرفه . فقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل ، فقال موسى : وما يدريك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : أدراني بذلك الذي أدراك بي قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا .

                                                                                                                                                                                                                                      فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال موسى : أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا أي : عظيما من المنكر قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا وكان موسى ينكر الظلم ، قال له موسى : لا تؤاخذني بما نسيت يعني : ذهب مني ذكره ولا ترهقني من أمري عسرا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : (ترهقني) معناه : تعنتني ؛ أي : عاملني باليسر لا بالعسر .

                                                                                                                                                                                                                                      (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زاكية) أي : لم تذنب بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 75 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية