الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا  قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما  آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا  فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا  

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض أي : قاتلون الناس في الأرض ؛ يعني : أرض الإسلام فهل نجعل لك خرجا أي : جعلا . على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير من جعلكم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : من قرأ (مكني) فالمعنى : مكنني ، إلا أنه أدغم النون في النون ؛ لاجتماع النونين ، ومن قرأ (مكنني) بإظهار النونين ، فذلك جائز ؛ لأنهما من كلمتين : الأولى من الفعل ، والثانية تدخل مع الاسم المضمر . فأعينوني بقوة يعني : عددا من الرجال أجعل بينكم وبينهم ردما .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : الردم في اللغة : أكثر من السد ؛ لأن الردم ما جعل بعضه على بعض ؛ يقال : ثوب مردم ؛ إذا كان قد رقع رقعة فوق رقعة ، ويقال لكل ما كان مسدودا خلقه : سد ، وما كان من عمل الناس فهو سد بالفتح ، وقد قيل : إنهما لغتان بمعنى واحد : سد ، وسد ؛ بالفتح والضم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 82 ] آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين يعني : رأس الجبلين ؛ في تفسير مجاهد أي : سد ما بينهما قال انفخوا أي : على الحديد حتى إذا جعله نارا يعني : أحماه بالنار قال آتوني أعطوني أفرغ عليه قطرا فيها تقديم : أعطوني قطرا أفرغ عليه ، والقطر : النحاس ؛ فجعل أساسه الحديد ، وجعل ملاطه النحاس .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : الملاط : هو الطين الذي يجعل في البناء ما بين كل صفين .

                                                                                                                                                                                                                                      فما اسطاعوا أن يظهروه أي : يظهروا عليه من فوقه وما استطاعوا له نقبا من أسفله قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي يعني : خروجهم جعله يعني : السد (دكا) قال قتادة : أي : يتعفر بعضه على بعض ، وتقرأ على وجه آخر : "دكاء" ممدودة أي : جعله أرضا مستوية .

                                                                                                                                                                                                                                      يحيى : عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال : " إن يأجوج ومأجوج يخرقونه كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا ؛ يعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا -إن شاء الله- فيغدون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، [ ص: 83 ] فيخرقونه ، فيخرجون على الناس فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون سهامهم إلى السماء ، فترجع وفيها كهيئة الدماء ، فيقولون قهرنا أهل الأرض ، وعلونا أهل السماء! فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 84 ] قال يحيى : وسئل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين فقال : كان عبدا صالحا دعا قومه إلى الإيمان فلم يجيبوه ، فضربوه على قرنه فقتلوه ،  فأحياه الله ، ثم دعا قومه أيضا ، فضربوه على قرنه فقتلوه فأحياه الله ، فسمي : ذا القرنين .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية