الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ( القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب )

              فمن ذلك قول عمر: هل سمعتم فيما سمعتم عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الرجل إذا أوهم في صلاته - يعني بقوله : أوهم - أسقط ،  يقال منه : أوهم الرجل في الحساب : إذا أسقط منه شيئا .

              وأوهم في صلاته إذا أسقط منها ركعة أو أكثر أو أقل ، فهو موهم إيهاما .

              فأما قولهم : وهمت : بفتح الواو ، وكسر الهاء ، فإنه معنى غير ذلك ، ومعناه غلطت ، يقال فيه : وهمت ، فأنا أوهم وهما .

              وأما قولهم : وهمت إلى كذا ، فأنا أهم - بفتح الهاء - فمعنى غير هذين .

              ومعناه : ذهب وهمي إليه .

              [ ص: 69 ] يقال فيه : وهمت إلى كذا ، فأنا أهم إليه وهما .

              وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الحديث الذي ذكرناه عن ابن مسعود عنه أنه قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر وليسجد سجدتين " ، فإنه يعني بقوله : فليتحر : فليتعمد .

              ومنه قول امرئ القيس بن حجر :

              ديمة هطلاء فيها وطف طبق الأرض تحرى وتدر

              يعني بقوله : تحرى : تعمد .

              وأما قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في حديث أبي هريرة عنه : " إذا نادى المنادي بالأذان أدبر الشيطان، وله حصاص ، فإذا سكت أقبل ، فإذا ثوب أدبر " .

              يعني بقوله : وله حصاص : وله ضراط .

              وأرى أن أصله من قولهم : قد انحص شعر فلان .

              إذا ذهب .

              ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت :

              قد حصت البيضة رأسي فما     أطعم نوما غير تهجاع

              يعني بقوله : قد حصت البيضة رأسي : قد ذهب شعر رأسي ، فأرى أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أراد بذلك أن كثرة ما يكون منه ذلك يستفرغ ما في جوفه منه ، كالرأس المنحص شعره .

              وأما قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فإذا ثوب : فإنه يعني [ ص: 70 ] بقوله : ثوب صرخ بالإقامة مرة بعد مرة ، ورجع .

              وكل مردد صوتا بشيء ، فهو مثوب .

              ولذلك قيل للمرجع صوته في الأذان بقوله : الصلاة خير من النوم مثوب .

              وأصله - إن شاء الله - من ثاب فلان إلينا .

              إذا رجع .

              ومنه قول الله تعالى ذكره : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس بمعنى أنهم : إذا انصرفوا عنه رجعوا إليه .

              يقال منه : ثوب فلان بكذا ، فهو يثوب به تثويبا .

              والرجل مثوب .

              وذلك إذا صرخ ، وكرر الصراخ .

              ومنه قول الفرزدق بن غالب :

              وبهن ندفع كرب كل مثوب     وترى لها خددا بكل مجال

              يعني بالمثوب : المستغيث المكرر صوته مرة بعد مرة .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية