604 - محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر بن الأنباري النحوي :
كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظا له سمع من ، إسماعيل بن إسحاق القاضي وأحمد بن الهيثم بن خالد البزار ، وكان صدوقا فاضلا دينا خيرا من أهل السنة وصنف كتبا كثيرة في علوم القرآن والشكل والوقف والابتداء والرد على من خالف مصحف العامة وغريب الحديث وغير ذلك . وإبراهيم الحربي
وروى عنه أبو عمر بن حيويه ، ، والدارقطني وابن سويد ، وأبو عبد الله بن بطة وكتب عنه ووالده حي وكان يملي في ناحية المسجد ووالده في ناحية أخرى قرأت على المبارك قلت له : أخبرني إبراهيم الفقيه أخبرنا أبو عبد الله بن بطة قال : سئل أبو بكر بن الأنباري عن فقال : نحن نستثني فنقول : نحن مؤمنون إن شاء الله فراجعه السائل في ذلك وعلل عليه الجواب فأجابه الاستثناء في الإيمان ؟ أبو بكر وتراجعا في الكلام فقال له أبو بكر بن الأنباري : هذا مذهب إمامنا رضي الله عنه . أحمد بن حنبل
قال ابن بطة : فرأيت الخراساني انصرف وهو يقول : استعدى الشيخ .
قال البرمكي : وسمعت هذه الحكاية من أبي أحمد السراج النحوي أيضا وذكر أنه سمعها من ابن الأنباري . [ ص: 70 ]
قرأت في كتاب الخطيب بإسناده قال : أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي كان أبو بكر بن الأنباري يحفظ فيما ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن .
وقال حمزة بن طاهر الدفاق : كان أبو بكر بن الأنباري على كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار والتفاسير والأشعار كل ذلك من حفظه .
قال حمزة : وحدثني أبي عن جدي أن أبا بكر بن الأنباري مرض فدخل عليه أصحابه يعودونه فرأوا من انزعاج ابنه وقلقه عليه أمرا عظيما فطيبوا نفسه ورجوه عافية أبي بكر فقال لهم : كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما ترون وأشار لهم إلى خيبري مملوءا كتبا .
وقال محمد بن جعفر التميمي النحوي : قال أبو الحسن العروضي : اجتمعت أنا وأبو بكر بن الأنباري عند الراضي على الطعام وكان قد عرف الطباخ ما يأكل أبو بكر فكان يسوي له قلية يابسة قال فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه وهو يعالج تلك القلية ثم فرغنا وأتينا بحلواء فلم يأكل منها شيئا وقام وقمنا إلى الحيس وقمنا نحن إلى حيس ماء فشربه ولم يشرب ماء إلى العصر فلما كان من العصر قال للغلام الوظيفة فجاءه بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج فغاظني أمره فصحت صيحة فأمر أمير المؤمنين بإحضاري وقال : ما قصتك ؟ فأخبرته وقلت : هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها لا يحسن عشرتها قال : فضحك وقال له في هذا لذة وقد جرت به العادة فصار إلفا فلن يضره ثم قلت : يا أبا بكر لم تفعل هذا بنفسك ؟ فقال أبقي على حفظي فقلت له : قد أكثر الناس في حفظك فكم تحفظ ؟ قال : أحفظ ثلاثة عشر صندوقا .
وقال محمد بن جعفر التميمي النحوي : وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله ولا بعده وكان أحفظ الناس للغة ونحو وشعر وتفسير وقرآن فحدثت أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها . [ ص: 71 ]
وقال لنا أبو العباس بن يونس : كان آية من آيات الله في الحفظ .
وقال لنا أبو الحسين العروضي : كان يتردد ابن الأنباري إلى أولاد الراضي فكان يوما من الأيام وقد سألته جارية عن شيء من تفسير الرؤيا فقال : أنا حاقن ثم مضى فلما كان من غد عاد وقد صار معبرا للرؤيا وذاك أنه مضى من يومه وقد درس كتاب الكرماني وجاء .
قال : وكان ابن الأنباري يأخذ الرطب يشمه ويقول : أما إنك لطيب وكان أطيب منك حفظ ما وهب الله لي من العلم .
قال محمد بن جعفر : ومات ابن الأنباري ولم نجد من تصنيفه إلا شيئا يسيرا وذاك أنه كان يملي من حفظه وقد أملى كتاب غريب الحديث قيل إنه خمس وأربعون ألف ورقة وكتاب شرح الكافي وهو نحو ألف ورقة وكتاب الهاءات وهو نحو ألف ورقة وكتاب الأضداد وما رأيت أكبر منه وكتاب المشكل أملاه وبلغ إلى سورة طه وما أتمه والجاهليات تسعمائة ورقة والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه وعمل رسالة المشكل ردا على ابن قتيبة وأبي حاتم ونقصا لقولهم .
وحدثت عنه أنه مضى يوما إلى النخاسين وجارية تعرض حسنة كاملة الوصف قال : فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي فقال لي : أين كنت إلى الساعة ؟ فعرفته فأمر بعض أسبابه فمضى فاشتراها وحملها إلى منزلي فجئت فوجدتها فعلمت الأمر كيف جرى فقلت لها : كوني فوق إلى أن أستبرئك وكنت أطلب مسألة قد اختلت علي فاشتغل قلبي عن علمي فقلت للخادم : خذها أمضي بها إلى النخاسين فليس قدرها أن يشتغل بها قلبي عن علمي فأخذها الغلام فقالت : دعني أكلمه بحرفين فقالت : أنت رجل لك محل وعقل فإذا أخرجتني ولم تبين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس بي ظنا قبيحا فعرفنيه قبل أن تخرجني فقلت لها : ما لك عندي عيب إنك [ ص: 72 ] شغلتني عن علمي فقالت : هذا سهل عندي قال فبلغ الراضي أمره فقال : لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل .
قرأت في بعض التواريخ أن أبا بكر بن الأنباري أكل في علة موته كل ما كان يشتهي وقال : هي علة الموت .
أخبرنا علي البندار عن أبي عبد الله بن بطة قال : حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا عن أحمد الهيثم بن خالد حدثنا حدثنا مسلم بن إبراهيم أبان عن قتادة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنس بن مالك " . بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بمسبحته والوسطى عن
وبه قال : حدثنا الحرث حدثنا يعلى بن عبد الحكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنس " أتموا الركوع والسجود والله إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي ومات عن أبو بكر بن الأنباري ليلة النحر من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة .
ومولده سنة إحدى وسبعين ومائتين .
ومن جملة كلامه : اللهم إنك خلقت الخلائق بعلمك واخترت منهم صفوتك فجعلتهم أمناء على وحيك وخزنة على أمرك ونطقاء وسفراء بينك وبين خلقك ودعاة إلى الإسلام الذي اتخذته دينا لإظهار حقك وإيضاح سبيلك دينا رضيته لنفسك وأمرت به ملائكتك وأنزل فيه وحيك ودعوت إليه جميع خلقك فأكرمت به من دخل فيه وعصمت به من لجأ إليه لا تقبل دينا غيره ولا ترضى عملا إلا من أهله فمضت رسلك في الأمم مبلغين رسالاتك طائعين لأمرك حتى انتهت نبوتك وأفضت كرامتك ورحمتك إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فانتخبته واختصصته وائتمنته على وحيك وأرسلته يا رب في أشرف زمان وخير أوان بالمنهاج الواضح والمتجر الرابح والميزان الراجح والعمل الصالح [ ص: 73 ] والسعي ورمي الجمار والتأني والوقار والشهادة والإقرار ومعاندة الكفار وبغض الأشرار واجتناب الفجار ومرافقة الأبرار ومواصلة الأخيار ومناسلة الأطهار والعود النضير والفقه الكثير والبحر الغزير والاسم الكبير والحق الظاهر والعز القاهر والنجم الزاهر والثوب الطاهر والكتاب الناطق والوعد الصادق والشهاب المتألق والفرع الباسق وإغاثة الملهوف والقلب الرؤوف والأمر بالمعروف والأمان والأدب والشرف والحسب والصلاة المفروضة والزكاة المقبوضة والهرولة والهجرة والقلائد والعمرة والمداراة والمتعة والنرس والنجيب والبردة والقضيب والفضل المشهور والعلم المنشور والبهاء والنور والرحمة والحبور والسمت والطهور والسنن والبيان وشهر رمضان والإقامة والأذان والمثاني والقرآن والبر والإحسان وشرائع الإيمان والصفا والمروة وخاتم النبوة والصلاة والطاعة والجمعة والجماعة والقبلة والشفاعة على حين فترة من الرسل وطموس من السبل وفضلته بالعز والبهاء ومن الدرجات بالعلى ومن المراتب بالعظمى فأخمد الله به نار الضلالة ومحا به رسم الجهالة فصلى الله عليه من مضجع معقود ومن محمود وعلى أهل بيته السادة الطاهرين وعلى أصحابه المنتخبين الخيرين الفاضلين وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين .