وإلا
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28712فالقول بأن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة قول لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين ، لا من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان ، ولا من بعدهم من الأئمة المعروفين ، بل القائلون بذلك يقولون : إن الله تعالى لم يخلق منذ خلق الجواهر المنفردة شيئا قائما بنفسه ، لا سماء ولا أرضا ، ولا حيوانا ولا نباتا ، ولا معادن ، ولا إنسانا ولا غير إنسان ، بل إنما يحدث تركيب تلك الجواهر القديمة فيجمعها ويفرقها ، فإنما يحدث أعراضا قائمة بتلك الجواهر ، لا أعيانا قائمة بأنفسها . فيقولون : إنه إذا خلق السحاب والمطر والإنسان ، وغيره من الحيوان والأشجار والنبات والثمار ، لم يخلق عينا قائمة بنفسها ، وإنما خلق أعراضا قائمة بغيرها . وهذا خلاف ما دل عليه السمع والعقل والعيان ، ووجود جواهر لا تقبل القسمة منفردة عن الأجسام مما يعلم بطلانه بالعقل والحس ، فضلا عن أن يكون الله تعالى لم يخلق عينا قائمة بنفسها إلا ذلك ، وهؤلاء
[ ص: 140 ] يقولون : إن الأجسام لا يستحيل بعضها إلى بعض ، بل الجواهر التي كانت مثلا في الأول هي بعينها باقية في الثاني ، وإنما تغيرت أعراضها .
وهذا خلاف ما أجمع عليه العلماء - أئمة الدين وغيرهم من العقلاء - من استحالة بعض الأجسام إلى بعض ، كاستحالة الإنسان وغيره من الحيوان بالموت ترابا ، واستحالة الدم والميتة والخنزير وغيرها من الأجسام النجسة ملحا أو رمادا ، واستحالة العذرات ترابا ، واستحالة العصير خمرا ، ثم استحالة الخمر خلا ، واستحالة ما يأكله الإنسان ويشربه بولا ودما وغائطا ونحو ذلك ، وقد تكلم علماء المسلمين في النجاسة : هل تطهر بالاستحالة أم لا ؟ ولم ينكر أحد منهم الاستحالة .
ومثبتة الجوهر الفرد قد فرعوا عليه من المقالات التي يعلم العقلاء فسادها ببديهة العقل ما ليس هذا موضع بسطه ، مثل تفليك الرحى والدولاب والفلك وسائر الأجسام المستديرة المتحركة
[1] ، وقول من قال منهم : إن الفاعل المختار يفعل كلما تحركت ، ومثل قول كثير منهم :
[ ص: 141 ] إن الإنسان إذا مات فجميع جواهره باقية قد تفرقت ، ثم عند الإعادة يجمعها الله تعالى .
ولهذا صار كثير من حذاقهم إلى التوقف في آخر أمرهم ،
كأبي الحسين البصري [2] nindex.php?page=showalam&ids=12441وأبي المعالي الجويني وأبي عبد الله الرازي ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي وأمثالهما من النظار الذين تبين لهم فساد أقوال هؤلاء ، يذمون أقوال هؤلاء يقولون : إن أحسن أمرهم الشك ، وإن كانوا قد وافقوهم في كثير من مصنفاتهم على كثير مما قالوه من الباطل ، وبسط الكلام على فساد قول القائلين بتركيب الجواهر الفردة
[3] المحسوسة أو الجواهر المعقولة له موضع آخر .
وَإِلَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28713_28712فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ ، بَلِ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ مُنْذُ خَلَقَ الْجَوَاهِرَ الْمُنْفَرِدَةَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ ، لَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا ، وَلَا حَيَوَانًا وَلَا نَبَاتًا ، وَلَا مَعَادِنَ ، وَلَا إِنْسَانًا وَلَا غَيْرَ إِنْسَانٍ ، بَلْ إِنَّمَا يُحْدِثُ تَرْكِيبَ تِلْكَ الْجَوَاهِرِ الْقَدِيمَةِ فَيَجْمَعُهَا وَيُفَرِّقُهَا ، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِتِلْكَ الْجَوَاهِرِ ، لَا أَعْيَانًا قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا . فَيَقُولُونَ : إِنَّهُ إِذَا خَلَقَ السَّحَابَ وَالْمَطَرَ وَالْإِنْسَانَ ، وَغَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ ، لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا ، وَإِنَّمَا خَلَقَ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا . وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ وَالْعِيَانُ ، وَوُجُودُ جَوَاهِرَ لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْأَجْسَامِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا إِلَّا ذَلِكَ ، وَهَؤُلَاءِ
[ ص: 140 ] يَقُولُونَ : إِنَّ الْأَجْسَامَ لَا يَسْتَحِيلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ، بَلِ الْجَوَاهِرُ الَّتِي كَانَتْ مَثَلًا فِي الْأَوَّلِ هِيَ بِعَيْنِهَا بَاقِيَةٌ فِي الثَّانِي ، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا .
وَهَذَا خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ - مِنِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ ، كَاسْتِحَالَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ بِالْمَوْتِ تُرَابًا ، وَاسْتِحَالَةِ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَجْسَامِ النَّجِسَةِ مِلْحًا أَوْ رَمَادًا ، وَاسْتِحَالَةِ الْعَذِرَاتِ تُرَابًا ، وَاسْتِحَالَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا ، ثُمَّ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ خَلًّا ، وَاسْتِحَالَةِ مَا يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْرَبُهُ بَوْلًا وَدَمًا وَغَائِطًا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّجَاسَةِ : هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا ؟ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الِاسْتِحَالَةَ .
وَمُثْبِتَةُ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ قَدْ فَرَّعُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَقَالَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ فَسَادَهَا بِبَدِيهَةِ الْعَقْلِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ ، مِثْلَ تَفْلِيكِ الرَّحَى وَالدُّولَابِ وَالْفُلْكِ وَسَائِرِ الْأَجْسَامِ الْمُسْتَدِيرَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ
[1] ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : إِنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ يَفْعَلُ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ ، وَمِثْلُ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ :
[ ص: 141 ] إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ فَجَمِيعُ جَوَاهِرِهِ بَاقِيَةٌ قَدْ تَفَرَّقَتْ ، ثُمَّ عِنْدَ الْإِعَادَةِ يَجْمَعُهَا اللَّهُ تَعَالَى .
وَلِهَذَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْ حُذَّاقِهِمْ إِلَى التَّوَقُّفِ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ ،
كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ [2] nindex.php?page=showalam&ids=12441وَأَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابْنُ عَقِيلٍ nindex.php?page=showalam&ids=14847وَالْغَزَالِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ تَبَيَّنَ لَهُمْ فَسَادُ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ ، يَذُمُّونَ أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إِنَّ أَحْسَنَ أَمْرِهِمُ الشَّكُّ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ وَافَقُوهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا قَالُوهُ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِتَرْكِيبِ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ
[3] الْمَحْسُوسَةِ أَوِ الْجَوَاهِرِ الْمَعْقُولَةِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .