الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  الثاني أن يقال : هذا القول المذكور ليس هو قول الأشعري ولا جمهور موافقيه ، إنما هو قول مثبتي الحال [ منهم ] [1] الذين يقولون إن العالمية حال [2] معللة بالعلم ، فيجعلون العلم يوجبه حال آخر [3] ليس هو العلم بل هو [4] كونه عالما . وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب والقاضي أبي يعلى وأول قول أبي المعالي [5] .

                  وأما جمهور مثبتة الصفات فيقولون [6] : إن العلم هو كونه عالما ، ويقولون : لا يكون عالما إلا بعلم ولا قادرا إلا بقدرة ، أي يمتنع أن يكون عالما من لا علم له ، وأن يكون قادرا من لا قدرة له ، وأن يكون حيا من لا حياة له .

                  [ وعندهم علمه هو كونه عالما ، وقدرته هو كونه قادرا ، وحياته هو كونه حيا ، وهذا في الحقيقة قول أبي الحسين البصري وغيره من حذاق المعتزلة ] [7] .

                  ولا ريب أن هذا معلوم ضرورة ، فإن وجود اسم الفاعل بدون مسمى [ ص: 487 ] المصدر ممتنع ، وهذا كما لو قيل : مصل بلا صلاة ، وصائم بلا صيام ، وناطق بلا نطق .

                  فإذا قيل : لا يكون ناطق إلا بنطق [8] ، ولا مصل إلا بصلاة ، لم يكن المراد أن هنا شيئين [9] : أحدهما الصلاة ، والثاني حال معلل بالصلاة ، بل المصلي لا بد أن يكون له صلاة .

                  وهم أنكروا قول نفاة الصفات الذين يقولون : هو حي لا حياة له ، وعالم لا علم له ، وقادر لا قدرة له .

                  فمن قال : هو حي عليم قدير بذاته ، وأراد بذلك أن ذاته مستلزمة لحياته وعلمه وقدرته لا يحتاج في ذلك إلى غيره ، فهذا قول مثبتة الصفات ، ( 3 وإن أراد بذلك أن ذاته مجردة ليس لها حياة ولا علم ولا قدرة فهذا هو القول 3 ) [10] المنكر من [11] أقوال نفاة الصفات .

                  وهذا الكلام الذي قاله هذا قد [12] سبقه إليه المعتزلة ، وهذا اللفظ وجدته في كلام أبي الحسين [13] البصري ، ومع هذا من تدبر كلام أبي الحسين [14] وأمثاله وجده مضطرا إلى إثبات الصفات ، وأنه لا يمكنه أن يفرق بين قوله وبين قول المثبتين بفرق محقق ، فإنه يثبت كونه حيا وكونه عالما وكونه قادرا ، ولا يجعل هذا هو هذا ، ولا هذا هو هذا ، ولا هذه الأمور [ ص: 488 ] هي الذات [15] ، فقد أثبت هذه المعاني الزائدة على الذات المجردة ، وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية