الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وإن قال : سموا مشبهة لأنهم يقولون : إنه جسم ، والأجسام متماثلة ، بخلاف من أثبت الصفات ، ولم يقل : هو جسم .

                  قيل أولا هذا باطل [1] لأنك ذكرت الكرامية قسما غيرهم والكرامية تقول إنه جسم وقيل لك ثانيا : لا يطلق لفظ الجسم [2] إلا أئمتك الإمامية ومن وافقهم .

                  وقيل لك ثالثا : فهذا مبني على تماثل الأجسام ، وأكثر العقلاء يقولون [3] : إنها ليست متماثلة ، والقائلون بتماثلها من المعتزلة ومن وافقهم من الأشعرية ، وطائفة من الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ليست لهم حجة على تماثلها أصلا ، كما [ قد ] بسط ذلك في موضعه [4] .

                  [ ص: 600 ] وقد اعترف بذلك فضلاؤهم ، حتى الآمدي في [ كتاب ] " أبكار الأفكار " [5] اعترف بأنه [6] لا دليل لهم على تماثل الأجسام إلا تماثل الجواهر ، ولا دليل لهم على تماثل الجواهر ، والأشعري في " الإبانة " جعل هذا القول من أقوال المعتزلة التي أبطلها [7] .

                  وسواء كان تماثلها حقا أو باطلا فمن قال : إنه جسم كهشام [ بن الحكم ] [8] وابن كرام لا [9] يقول بتماثل الأجسام ، فإنهم يقولون : إن حقيقة الله تعالى ليست مثل شيء [10] من الحقائق ، فهم أيضا ينكرون التشبيه ، فإذا وصفوا [ به ] [11] لاعتقاد الواصف أنه لازم لهم ، أمكن كل طائفة أن يصفوا الأخرى بالتشبيه لاعتقادها أنه لازم لها ، فالمعتزلة والشيعة توافقهم [ على ] أن أخص وصف الرب [12] هو القدم ، وأن ما شاركه في القدم فهو مثله ، فإذا أثبتنا [13] صفة قديمة لزم التشبيه ، وكل من أثبت صفة قديمة فهو مشبه ، وهم يسمون جميع من أثبت الصفات مشبها بناء على هذا .

                  [ ص: 601 ] فإن قال هذا [14] الإمامي : فأنا ألتزم هذا .

                  قيل له : تناقضت ، لأنك أخرجت الأشعرية والكرامية عن المشبهة في اصطلاحك ، فأنت تتكلم بألفاظ لا تفهم معناها [15] ولا موارد استعمالها ، وإنما تقوم بنفسك صورة تبني [ عليها ] [16] .

                  وكأنك - والله أعلم - عنيت بالحشوية المشبهة [17] من ببغداد والعراق من الحنبلية ونحوهم ، أو الحنبلية دون غيرهم . وهذا من جهلك ، فإنه ليس للحنبلية قول انفردوا به عن غيرهم من [ طوائف ] [18] أهل السنة والجماعة ، بل كل ما يقولونه قد قاله غيرهم من طوائف أهل السنة ، بل يوجد في غيرهم من زيادة الإثبات ما لا يوجد فيهم .

                  ومذهب [19] أهل السنة والجماعة مذهب قديم [ معروف ] [20] قبل أن يخلق الله أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد ، فإنه مذهب الصحابة الذين تلقوه عن نبيهم ، ومن خالف ذلك كان مبتدعا عند أهل السنة والجماعة ، فإنهم متفقون على أن إجماع الصحابة حجة ، ومتنازعون في إجماع من بعدهم .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية