الثاني : أن يقال : * قدرة الرب [1] [ لا يفعل بها إلا مع وجود مشيئته ، فإن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وليس كل ما كان قادرا عليه فعله .
قال تعالى : بلى قادرين على أن نسوي بنانه [ سورة القيامة : 4 ] .
وقال تعالى : قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض [ سورة الأنعام : 65 ] .
وقد ثبت في الصحيحين - رضي الله عنه - أنه لما نزلت هذه الآية جابر قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال [ ص: 271 ] النبي صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بوجهك " ، أو من تحت أرجلكم قال : " أعوذ بوجهك " ، أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال : " هاتان أهون " عن [2] .
وقال تعالى : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا [ سورة يونس : 99 ] ، وقد قال تعالى : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة [ سورة هود : 118 ] ، وقال : ولو شاء الله ما اقتتلوا [ سورة البقرة : 253 ] ومثل هذا متعدد في القرآن .
وإذا كان لو شاءه لفعله ، دل على أنه قادر عليه ؛ فإنه لا يمكن فعل غير المقدور ، وإذا كان كذلك علم أن الفعل لو وجد بمجرد كونه قادرا لوقع كل مقدور ، بل لا بد مع القدرة من الإرادة .
وحينئذ قول القائل : فقدرة الرب ] ( * ) [3] تفتقر إلى مرجح ، لكن ، وإذا كان المرجح إرادة الله ، كان فاعلا باختياره لا موجبا بذاته بدون اختياره ، وحينئذ فلا يلزم الكفر . المرجح هو إرادة الله تعالى ، وإرادة الله لا يجوز أن تكون من غيره ، بخلاف إرادة العبد